الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشركة بمالين حاضر وغائب]

                                                                                                                                                                                        اختلف في الشركة بمالين، حاضر وغائب، فأجازه مالك وابن القاسم، ومنعه سحنون، ومر في ذلك على أصله أنها مبايعة. والأول أحسن، ولو كانت مبايعة لم يجز أن يخرج أحدهما مائة دينار وألف درهم والآخر مثلها، ولا أن يخرجا في شركة الحرث الزريعة جميعا وأحدهما العمل والآخر الأداة والبقر; لأنه لا خلاف في منع مكيلة من الطعام بمثلها، ومع أحدهما عمل بقر والآخر عمل يد.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: إذا أخرج أحدهما ألفا وخمسمائة، والآخر خمسمائة وله ألف غائبة، فخرج بالمالين واشتريا بالألفين وباعا وربحا، أن الربح بينهما أرباعا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن كان كذبه وخدعه، اقتسما الربح أرباعا، وإن كان أمره [ ص: 4787 ] على الصحة، كان بينهما نصفين.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يسأل العامل عن الوجه الذي اشترى عليه، فإن قال: ليكون بيننا أرباعا على قدر أموالنا، قبل قوله وكان له ربع الربح قولا واحدا. وإن هلك المال قبل وصوله أو خسر فيه بعد بيعه، لم يضمن العامل بالمال للمقيم شيئا. وإن قال: اشتريت ليكون بيننا نصفين حسب ما اشتركنا عليه، قبل قوله. فإن هلك قبل بلوغه أو خسر، ضمن للمقيم خمسمائة إن هلك المال وما ينوبها من الخسارة إن خسرا، وإن ربحا كان الربح أرباعا.

                                                                                                                                                                                        والحكم في الخسارة والربح مختلف، فإن خسر قال المقيم: أنا أمضي ذلك المشترى حسب ما ألزمت نفسك واشتريت عليه. وإن ربح قال: لم أرض أن يكون لك في مالي نصيب إلا أن يكون لي في مالك مثله.

                                                                                                                                                                                        وإلى هذا ذهب غير ابن القاسم في "المدونة": إذا اشترى أحدهما بماله جارية، فكان فيها ربح وهلك مال الآخر. [قال: لأن صاحب الجارية يقول: لم أرض أن يكون له معي نصيب إلا أن يكون لي معه نصيب].

                                                                                                                                                                                        وهذا إذا أقر العامل أنه تجر ليكون ضامنا للخمسمائة، وإن كان ضامنا لتكون الخسارة على قدر المالين أرباعا، كان الربح كذلك. [ ص: 4788 ]

                                                                                                                                                                                        فتكلم ابن القاسم على هلاك الجارية، وجاوب غيره على ربحها، إلا أن يرضى الآخر أن يأتي بألف أخرى مكان التي هلكت فيشتريان بها، فيكون ربح الجارية بينهما، أو يرضى الآخر أن يخلف ألفا ويرجع وحده فيشتري بها، وهو استحسان; لأن من حجة الأول أن يقول: علي مضرة في انتظار سفرك ورجوعك، إلا أن يكون الذي بينهما قريبا.

                                                                                                                                                                                        ومحمل جواب محمد في كون الربح بينهما نصفين، على أن الآخر يخلف مكان التي عدمت.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أن الربح أرباع في الأجرة، فقال ابن القاسم: لا شيء للذي سافر من الإجارة وهو متطوع. وقال سحنون: له أجرته. وهو أحسن، والقول قوله أنه لم يعمل على وجه التطوع ويكون له الأقل من إجارة مثله أو الربح.

                                                                                                                                                                                        وفي قول مالك: "الربح بينهما أرباع"، دليل على أنه يرى أن عدم الألف لا يمنع الغائب من التمادي في الاشتراء بالمالين، ولو كان عنده أن للمقيم منعه لموضع قلة مال الآخر، لقال: الربح بينهما نصفان، ويكون له جميع الربح إذا اشترى به لنفسه; لأنه إذا كان الحكم عند عدم الألف أن يوقف مال المقيم ولا يتجر فيه له فتعدى وتجر، كان له جميع الربح. وهذا هو الحكم في كل ما حكمه لا يحرك لتجارة. [ ص: 4789 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية