الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا لم يخلط الشريكان المالين]

                                                                                                                                                                                        قد تقدم القول: إنهما متى خلطا المالين صحت الشركة، وهما إذا لم يخلطا [ ص: 4784 ] على ثلاثة أوجه: فإما أن يجمعا المالين في موضع ثم يشتريان بهما، أو يشتريان قبل الجمع وكل واحد ممكن من الاشتراء بمال صاحبه، أو يشترطا ألا يجمعا وأن يكون الشراء بهما على الانفراد، فالشركة في القسمين الأولين إذا اشتريا بعد الجمع وقبل [الخلط أو قبل الجمع، جائزة، وكل شيء اشتري بمال أحدهما شركة بينهما.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: إذا اشترى أحدهما بماله جارية قبل الجمع فهلكت، مصيبتها منهما; لأن هذا فعل ما أمره به صاحبه. وقال فيما ضاع قبل الشراء وقبل الجمع: مصيبته من صاحبه دون شريكه.

                                                                                                                                                                                        ومحمل ذلك على أنه بقي فيها وجه من التوفية: وزن أو انتقاد، ولو كانا قد وفيا ووزنت وقلبت وبقيت عند صاحبها على وجه الشركة وضاعت، لكانت مصيبتها منهما; لأن الخلط عنده ليس بشرط في الصحة، ولو كان ذلك لكانت مصيبة الجارية التي اشتريت بمال أحدهما قبل الجمع من صاحبها دون شريكه.

                                                                                                                                                                                        وذهب سحنون إلى أن الشركة لا تنعقد إلا بخلط المالين، وحمل أمرهما فيما أخرجا من الدنانير على المبايعة، وأن كل واحد منهما باع نصف ملكه بنصف ملك صاحبه، وأنها مصارفة، فإذا خلطا كان ذلك قبضا وفوتا، [ ص: 4785 ] وقياد قوله: إذا قبض كل واحد منهما جميع دنانير صاحبه، كان قبضا ومناجزة وإن لم يخلطا; لأن المقبوض نصفه صرف ونصفه وديعة. ولو صرف رجل من رجل خمسين دينارا ودفع إليه مائة; ليكون له نصفها، ونصفها وديعة لجاز ذلك. ولو قبض أحد الشريكين دنانير صاحبه ولم يقبض الآخر شيئا، لم تصح الشركة على أصله. وقول مالك في هذا أحسن، وإنما القصد في الدنانير التجر بها ليس المبايعة الآن بعضها ببعض.

                                                                                                                                                                                        وقد تكلم مالك على هلاك الجارية أنها من جميعهما، ولو لم تهلك وكان فيها فضل كان الربح بينهما إذا أخرج الآخر مثل دنانير صاحبه، وإن عجز عن الخلف لم يكن له من ربحها شيء; لأنه يقول: لم أرض أن يكون لك في مالي ربح إلا أن يكون لي في مالك ربح.

                                                                                                                                                                                        وهذا الجواب على أصل مالك وابن القاسم في المال الغائب: أن الربح بينهما على ما لكل واحد منهما من المال. وعلى قول محمد يكون الربح بينهما نصفين في هذا.

                                                                                                                                                                                        وإن اشترطا أن يشتري كل واحد بماله بانفراده من غير خلط، كانت الشركة فاسدة، وما اشتراه أحدهما فله ربحه وعليه وضعيته، وإن جالت أيديهما في المال واشترى كل واحد منهما بمال الآخر، كان فيها قولان: هل [ ص: 4786 ] تكون شركة، أو لمن اشترى بماله دون صاحبه؟

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية