باب في البياعات المنهي عنها بالسنة
وهي على ثلاثة أوجه:
أحدها: شرع لحق الله سبحانه.
والثاني: لما يتعلق به من حق آدمي.
والثالث: حض وتنبيه على مكارم الأخلاق وما يرفع الشحناء.
فالأول: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر، وعن الملامسة والمنابذة، وبيع حبل الحبلة والملاقيح والمضامين، وبيع الحصاة وبيع الثنيا وعن وبيع العربان، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن بيع الثمار [ ص: 4273 ] قبل بدو صلاحها، وعن بيع السنبل حتى يبيض، والمخابرة والمعاومة. وجميع هذه البياعات المنهي عنها لحق الله تعالى، لما تضمنت من الغرر، وداخلة في قول الله سبحانه بيع المزابنة والمحاقلة، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة: 188] ، وعن والنهي عن هذين البيعين لما تضمناه من الغرر والمزابنة والربا، وداخل في قوله سبحانه: بيع الرطب بالتمر، والكرم بالزبيب، وحرم الربا [البقرة: 275] ، وكذلك البيع والسلف هو من الربا، وعن بيع ما لم يضمن، وعن بيع الخمر والميتة [ ص: 4274 ] والخنزير وشحوم الميتة، وثمن الدم والأصنام، وجاء القرآن بالنهي عن وبيع الطعام قبل أن يستوفى، البيع عند النداء للجمعة.
والثاني: نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن وعن يبيع حاضر لباد، وعن النجش، وتصرية الإبل والغنم، وعن الغش، فقال: تلقي السلع، وعن التفرقة بين الأم وولدها في البيع. "من غش فليس [ ص: 4275 ] منا".
والثالث: نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن أو يسوم على سومه، أو يخطب على خطبته، وهذا حض منه على رفع الشحناء وما يجر إلى التباغض، يبيع الرجل على بيع أخيه، ثمن الكلب، وثمن السنور. أخرجه مسلم. ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن
وعن كراء الأرض إذا كان صاحبها في غنى عن حرثها لقوله: ونهيه عن "يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما". عسيب الفحل وبيع نقع الماء، وبيع الكلإ، فهذا حض منه - صلى الله عليه وسلم - على مكارم الأخلاق ونهيه عن وبيع فضل الماء، ثمن الكلب، ومهر البغي والأول حض على مكارم [ ص: 4276 ] الأخلاق، وما سوى ذلك فثمن لما لا يحل. وحلوان الكاهن،
وجميع هذه الأحاديث في الموطإ والبخاري ومسلم والترمذي ومن أحب مطالعة نصوصها اختبرها هنالك، فأخرج والنسائي، النهي عن مسلم جملة من غير تعيين لصنف من الغرر، فإذا تضمن البيع غررا في الثمن، أو المثمون أو الأجل منع لعموم الحديث. بيع الغرر
والملامسة: البيع باللمس من غير رؤية ليلا كان أو نهارا، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر من غير نظر.
واختلف في المراد في النهي عن فقيل هو أن يبيع الرجل ولد ولد هذه الحامل الآن، وجعل الحبل الثاني هو المبيع، وهذا غرر لا شك فيه. بيع حبل حبلة،
وقيل: هو أن يجعل ذلك أجلا، وهو الوقت الذي تضع فيه هذا الحبل، فإذا كانت أنثى فوضعت فهذا غرر، إلا أن يريد الوضع على أن هذا الحبل أنثى فيكون أجلا معلوما إذا قصد الوضع المعتاد.
والملاقيح ما في ظهور الإبل، يريد بيع ما يلقحونه في المستقبل، والمضامين ما في بطون الإناث، وكل هذا غرر.
واختلف في فقيل هو: بيع كان أهل الجاهلية يتبايعون الثوب، فإن أعجبه ترك عليه حصاة فيجب البيع بذلك، وقيل: كان الرجل يسوم [ ص: 4277 ] بالثوب وبيده حصاة، فيقول: إذا سقطت من يدي فقد وجب البيع، وكل هذا لا يكون البيع فاسدا إذا كان الثمن معلوما، وإن كان مجهولا كان فاسدا. وقيل: كان الرجل يضرب بالحصاة، فما خرج له كان له من الدنانير والدراهم مثله، وهذا التأويل أبينهما؛ لأنه مجهول. بيع الحصاة
أن يبيع الثوب أو الدار، ويشترط أنه متى جاء بالثمن استرجعه، وهذا غرر لأنه تارة بيعا إن لم يرد الثمن، وتارة سلفا إن رده، وقد تقدم بيان ذلك قبل. وبيع الثنيا
أن يشتري السلعة بثمن معلوم، ويقدم الدينار والدراهم، ليكون بالخيار. فإن قبل: كان ذلك العربان من الثمن، وإن كره ورد مضى العربان للبائع بغير شيء. وبيع العربان
وأما فهو على وجوه: أحدها: أن يبيع السلعة الواحدة بثمنين متفقي الجنس، ومختلفي القدر بعشرة نقدا، أو بعشرين إلى أجل، يأخذ بأيهما أحب، أو يكون الثمن مختلف الجنس والقدر، يبيعه بتسعة عتق، أو بعشرة هاشمية، أو بعشرة دنانير، أو بألف درهم. بيعتان في بيعة
وليس يسد أحدهما مسد الآخر في القدر، أو يبيعه بعشرة دنانير، أو بهذه السلعة أو يبيع سلعتين مختلفتي الجنس بثمن واحد متفقي الجنس والقدر يقول أبيعك هذا العبد أو هذه الدابة بعشرة دنانير خذ أيهما أحببت، أو يقول: أبيعك [ ص: 4278 ] قفيزا من هذا القمح، أو قفيزين من هذا الشعير، أو التمر، أيهما أحببت كان لك بدينار. فجميع ذلك فاسد وهو بيع غرر، ويدخله مع الغرر إذا كان الذهب مختلف السكة، الربا والتفاضل فيما بين الذهبين، والصرف المستأخر إذا كان أحدهما ذهبا والآخر فضة. والطعام بالطعام ليس يدا بيد، والتفاضل بين الطعامين إذا كان الجنس واحدا والكيل مختلفا، لإمكان أن يكون قد اختار الأخذ بأحد الثمنين، ثم انتقل إلى الآخر فيكون قد فسخ الأول في الثاني. وبيع الطعام قبل قبضه
وقد اختلف في هذا الأصل فقيل: المشتري مؤتمن ومصدق، وإذا قال: لم أختر إلا هذا، فعلى هذا لا يدخل الفساد إلا من وجه الغرر، إذا كان البيع منعقدا على أحد المتبايعين والآخر بالخيارة البائع أو المشتري فإن كانا جميعا بالخيار كان البيع جائزا؛ لأنه لا ينعقد إلا بعد اتفاقهما على ثمن واحد فيرتفع الغرر، وبيع السلعة الواحدة بثمنين مختلفين بخمسة نقدا، أو عشرة إلى أجل فاسد إذا كان الخيار من أحد الجنبتين، البائع أو المشتري.
كمل كتاب البيوع الفاسدة بحمد الله وعونه