الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في فضل الماء يكون في الأرض المملوكة]

                                                                                                                                                                                        وأما الماء يكون في الأرض المملوكة فهو عند أشهب كالكلإ لا يمنع فضله ، والماء في الأرض المملوكة على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يجتمع فيها منها ولم يدخل إليها من غيرها.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يصير إليها من غيرها، ولم يرده صاحبه إليها. [ ص: 3275 ]

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يرده إليها.

                                                                                                                                                                                        فإن اجتمع فيها ماء كان صاحبه أحق بما تحتاجه أرضه، وإن كان أكثر من الكعبين، وإن فضل عنها وكانت له أرض أخرى كان له أن يجريه إليها، ولا مقال لمن أرضه أسفل منه، فإن لم يكن له أرض أخرى كان لمن أسفل منه بغير ثمن بخلاف الكلإ; لأن هذا إن أمسك فضل الماء أفسد ما فيها من الزرع، وإن لم يكن له زرع فهو يرسله إذا أراد الزرع، فلم يكن له أن يأخذ فيه ثمنا، وجعل ابن سحنون الجواب في السيل يدخل أرض رجل مثل ذلك إذا كان يصل من أرض قوم آخرين، فقال: السيول إذا كانت من ماء المطر تأتي من الأرض المملوكة، فلكل واحد أن يمسك ماءه ويحبسه في أرضه، وإن كثر، ولا يرسله إلى من تحته، ولا حجة لمن تحته إلا أن يتطوع، فإن أرسله كان للمرسل إليه أن يحبسه، ولا يخلي لمن تحته شيئا، وجعل المعنى في مهزور ومذينيب أن يكون يجري بين البساتين فيردوه إلى حوائطهم، بخلاف أن يدخل إليهم من غير رد، فقال في جنانين في زقاق من أزقة المدينة أحدهما أعلى والآخر أسفل، فيأتي المطر إن الأعلى أولى حتى يصير الماء إلى الكعبين، ثم يرسله لمن تحته، وإن تقابلا اقتسما الماء، وإن كان بعض الأسفل مقابلا لبعض الأعلى كان للأعلى فيما يخرج عن الأسفل إلى الكعبين، ثم يقتسمان الباقي، وإن كان بعض الأجنة [ ص: 3276 ] أقدم من بعض كان أحق به .

                                                                                                                                                                                        يريد: وإن كان أسفل فإنه يبدى حتى يروي حائطه، وليس يقتصر على الكعبين إذا غرس عليه، أو أحيا، وإلا لم يكن أحق بالتبدية وفي المجموعة: قوم لهم مرج وللمرج واد فإذا أتت السيول سقى مرجهم وانصرف الوادي من مرجهم فليس لهم أن يسدوا مصرفه عن مرج الآخرين، وانصرف عنهم قبل أن يدخل أرضهم، فإن دخل إليهم قبل كانوا أحق به، ثم يرسلون الفضل، وإلا لم يصرف عن قوم ماء صرفه الله -عز وجل- إليهم، ولا ينقلوه عن مكان بعيد فيصرفوه إليهم دون من هو أقرب إليه منهم .

                                                                                                                                                                                        والأصل في الحكم للأول أن يمسك إلى الكعبين حديث الزبير: اختصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسق حتى يبلغ الماء إلى الجدر" وكان ذلك إلى الكعبين، أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا صار عنده ذلك القدر هل يمسكه ويرسل الباقي أو لا يمسكه ويسرحه، ولا يكون له إلا ما بقي بعد التسريح، فقال ابن كنانة: يمسك في النخل والشجر إلى الكعبين وفي الزرع إلى شراك النعلين ، وقال مالك في شرح ابن مزين: يمسك الأول إلى الكعبين حتى يروي حائطه ويستغني عنه. وقال الطبري: الأرض تختلف، فيمسك لكل أرض بقدر ما [ ص: 3277 ] يكفيها، ورأى أن الجواب للزبير قضية في عين، وأن تلك الأرض كان يكفيها ذلك القدر، وهذا هو الفقه، أن يكون لكل أرض ما يكفيها إلا أن يقال إن في كونها على حكم واحد رفعا للتنازع; لأن كل واحد يقول: كفاية أرضي كذا، أو يقول الآخر خلافه، كالحكم في المصراة، بصاع مع اختلاف لبن بعضها على بعض لدفع التنازع وقد اختلف في المصراة وإذا أمسك الأول إلى الكعبين ثم أرسل إلى من تحته فأمسك مثل الأول ثم فضل عنه عاد المقال إلى الأول، إلا أنه لا يقدر أن يرد شيئا من ذلك الفضل إلى الأول، فإن أتى ما أخر أمسك الأول منه بقدر حبس الآخر، فإن فضل عنه شيء بعد ذلك حبس منه إلى الكعبين ثم أرسل إلى من تحته.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية