الحجج العقلية والنقلية على إبطال التقليد وذمه
وقد احتج جماعة من الفقهاء، وأهل النظر على بحجج نظرية وأدلة عقلية. إبطال التقليد
وأحسن ما رأيت من ذلك قول "المزني" رحمه الله فساقه، فراجعه.
قال ابن خواز منداد المالكي: التقليد معناه: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع: ما ثبت عليه حجة.
وقال في موضع آخر: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله، لدليل أوجب ذلك عليه، فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله، فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ حق.
[ ص: 161 ] قال محمد بن حارث -بعدما نقل عن سحنون في التقليد، وإثبات الاتباع-: في حكاية هذا -والله- الدين الكامل، والعقل الراجح، لا كمن يأتي بالهذيان، ويريد أن ينزل من القلوب منزلة القرآن.
ولا خلاف بين أئمة الأمصار وعلماء الأقطار في فساد التقليد، إلا من لا يعتد به، وذلك يغني عن الإكثار.
وفي الحديث: "طوبى للغرباء" قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال : الذين يحيون سنتي، ويعلمونها عباد الله" أخرجه بسنده. ابن عبد البر
وقال: وكان يقال للعلماء: غرباء; لكثرة الجهال. انتهى.
ومما يحض على لزوم السنة والاقتصار عليها، ما أخرجه بإسناده عن ابن عبد البر مرفوعا: ابن مسعود "إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين". وذكر حديث بسند رجاله رجال الصحيح، وفيه: عرباض بن سارية الحديث. فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: "تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك"
قال حديث أبو بكر البزار: العرباض حديث ثابت صحيح، وهو أصح إسنادا من حديث حذيفة: أبي بكر، وعمر" لأنه يختلف في إسناده، ويتكلم فيه من أجل "اقتدوا باللذين من بعدي: مولى ربعي، وهو مجهول عندهم.
قال هو كما قال ابن عبد البر: حديث صحيح، وحديث حذيفة حسن. البزار،
وقد روى عن مولى ربعي عبد الملك بن عمير وهو كبير.
ولكن وطائفة من أهل الحديث يذهبون إلى أن المحدث إذا لم يرو عنه رجلان، فهو مجهول. انتهى. البزار
قلت: فإن ثبت، فليس فيه الحجة على التقليد; لأن الاقتداء في معنى [ ص: 162 ] الاتباع; أي: اتبعوهما فيما روياه عني; فإنهما أعلم بسنتي، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فبهداهم اقتده [الأنعام: 90].
وهذا هو المراد أيضا بسنة الخلفاء الراشدين، لا أن لهم سنة أخرى غير سنة الرسول، بل هم المبينون لها للناس، ومبلغوها إليهم كما في الحديث : "بلغوا عني ولو آية".
ويزيده إيضاحا ما روي عن أن سعيد بن المسيب: قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس! إنه قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا. عمر بن الخطاب
وعنه: أنه خطب الناس، فقال: ردوا الجهالات إلى السنة.
وكان إبراهيم التيمي يقول: اللهم اعصمني بدينك وبسنة نبيك من الاختلاف في الحق، ومن اتباع الهوى، ومن سبل الضلالة، ومن شبهات الأمور، ومن الزيغ والخصومات.
وقال القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. ابن مسعود:
قال الفلاني: ثم اعلم أن السنة مبينة للكتاب، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .
وعن عبد الرحمن بن يزيد: أنه رأى محرما عليه ثياب، فنهاه، فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي، فقرأ عليه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، [ ص: 163 ] وقال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .
وعن يرفعه: جابر "يوشك بأحدكم يقول: هذا كتاب الله، ما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا من بلغه عني حديث، فكذب به، فقد كذب الله ورسوله، والذي حدثه".
وعن مرفوعا: المقدام بن معديكرب أخرجهما ابن عبد البر بأسانيده. "يوشك رجل منكم متكئا على أريكته، يحدث بحديث عني، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا من بلغه عني حديث، فكذب به، فقد كذب الله ورسوله، وإن ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله "