إسلام ويب - الدين الخالص - النصيب الأول في بيان إثبات التوحيد ونفي الإشراك - باب في رد بقية أنواع الشرك مما تقدم إجمالا - فصل في أن من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره- الجزء رقم2

فصل في أن من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.

والاستغاثة: هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، والاستعانة: طلب العون.

قال بعض العلماء: الفرق بينها وبين الدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم منه ومن غيره.

فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الدعاء عنها في مادة.

فكل استغاثة دعاء، [وليس] كل دعاء استغاثة.

والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ويراد في القرآن هذا تارة، وتارة هذا، ويراد به مجموعهما أيضا.

فدعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الداعي؛ من جلب نفع، أو كشف ضر.

ولهذا أنكر الله على من يدعو أحدا من دونه، ممن لا يملك ضرا ولا نفعا ؛ كقوله تعالى: أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا [المائدة: 76]، وقوله: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله [الأنعام: 71] الآية.

قال شيخ الإسلام: كل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين [الأعراف: 55].

وقال تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون [ ص: 260 ] [الأنعام: 40- 41]، وقال تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، وقال تعالى: له دعوة الحق [الرعد: 14]، وأمثال هذا القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر، وهو يتضمن دعاء العبادة ؛ لأن السائل أخلص سؤله لله، وذلك من أفضل العبادات.

وكذلك الذاكر لله، والتالي لكتابه ونحوه، طالب من الله في المعنى، فيكون داعيا عابدا.

فتبين بهذا أن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أن دعاء المسألة مستلزم لدعاء العبادة.

وقد قال الله تعالى عن خليله - عليه السلام -: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا [مريم: 48] الآية.

فصار الدعاء من أنواع العبادة ؛ فإن قوله: وأدعو ربي إلى قوله: شقيا كقول زكريا - عليه السلام -: ولم أكن بدعائك رب شقيا .

وقد أمر الله بالدعاء في مواضع من كتابه ؛ كقوله تعالى: وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين [الأعراف: 56].

وهذا هو دعاء المسألة المتضمن للعبادة ؛ فإن الداعي يرغب إلى المدعو، ويخضع له، ويتذلل بين يديه، وغير ذلك مما يصنعه ويفعله له، ولديه.

وضابط هذا: أن كل أمر شرعه الله لعباده، وأمرهم به، ففعله لله عبادة.

فإذا صرف من تلك العبادة شيئا لغير الله، فهو مشرك، أشرك بالله في العبادة، مصادم لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من قوله: قل الله أعبد مخلصا له ديني [الزمر: 14].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه وأرضاه - في «الرسالة السنية»: فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم [أن] المنتسب إلى الإسلام والسنة بهذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام لأسباب.

[ ص: 261 ] منها: الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - بل الغلو في المسيح - عليه السلام.

فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان! انصرني، وأغثني، وارزقني، وعافني، أو أنا في حسبك، وحفظك، وحمايتك، ورعايتك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب، وإلا قتل.

فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبدوه وحده لا شريك له، ولا يدعوا معه إلها.

والذين يدعون مع الله إلها آخر، مثل: المسيح، والملائكة، والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، وتنزل المطر، وتنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم ويعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم، ويقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله [يونس: 18].

فبعث الله سبحانه رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة واستعانة.

قال: ومن جعل بينه وبين الله وسائط، يتوكل عليهم، ويدعوهم، ويسألهم، كفر إجماعا. نقله عنه صاحب «الفروع»، وصاحب «الإنصاف»، وصاحب «الإقناع»، وغيرهم، وذكره ابن تيمية رحمه الله في مسألة الوسائط، ونقلوه منه في الرد على ابن جرجيس.