وقوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم [ ص: 416 ] في معنى التشبيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه في شهر رمضان بعينه، وعدد أيامه، وأن الذين كتب عليهم حولوه وزادوا فيه، قاله الشعبي، . والحسن
وقال : فرض على النصارى رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل؛ لأنهم كانوا ربما صاموه في القيظ، وجاء قوم فصاموا قبله يوما وبعده يوما، ثم لم يزل الآخر يستن بسنة الأول في الزيادة حتى بلغوه خمسين يوما. الشعبي
وقيل: كان سبب الزيادة: أن ملكا من ملوكهم مرض، فجعل على نفسه - إن برئ - أن يزيد على نفسه في الصيام عشرة أيام، ففعل، ثم مرض ملك آخر، فنذر أن يزيد سبعا، ففعل، ثم جاء آخر فقال: أكملوها خمسين، واجعلوه حين لا حر ولا قر، فالآية على هذا ناسخة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصومه في أول الإسلام من يوم عاشوراء، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.
[ ص: 417 ] والقول الثاني: أن التشبيه واقع على صفة الصيام الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح بعد النوم، وكان ذلك في أول الإسلام، فنسخ الله ذلك بقوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية، قاله السدي، وغيرهما. وأبو العالية،
والقول الثالث: أن يكون التشبيه واقعا على الصيام لا على الصفة ولا على العدة، وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان، روي معناه عن معاذ بن جبل، وعطاء، وغيرهما، قال والذي كتب في أول الإسلام من الصيام: ثلاثة أيام من كل شهر، ويوم عاشوراء، وكذلك قال معاذ: إلا أنه لم يذكر يوم عاشوراء، فهو على هذا منسوخ بصوم رمضان. عطاء،
وقوله: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر : عند حد المرض الذي يفطر من أجله الصائم : أن يشق عليه الصيام ويبلغ منه. مالك
: إن كان مرضه محتملا للصوم؛ لم يفطر. الشافعي
: إذا خاف أن يزيد الوجع به أو الحمى؛ أفطر. أبو حنيفة
[ ص: 418 ] فأما فالمسافر عند الصيام في السفر؛ مالك، والشافعي، وأصحابه: مخير بين الصيام والإفطار، والصوم عند وأبي حنيفة مالك، والشافعي، أفضل لمن قوي عليه. وأبي حنيفة،
وروي عن ابن عباس، وغيرهما: أن الفطر فيه أفضل. وابن عمر،
وروي عن عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، : أن أيسرهما أفضلهما. وقتادة
وكره النخعي، الصيام في السفر. وابن جبير
وعن : إن صام في السفر؛ قضى في الحضر. ابن عمر
[وعن جماعة منهم أنه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر]. عبد الرحمن بن عوف
ويفطر عند : إذا سافر مسافة أربعة برد، وروي نحوه عن مالك ابن عمر، . وابن عباس
وعن أيضا، ابن عمر في ثلاثة أيام، وعن والثوري : في [ ص: 419 ] يومين، وعن الزهري عطاء، والشعبي، : فيما تقصر فيه الصلاة. وابن حنبل
وقوله: فعدة من أيام أخر لازم عند بعض العلماء، وروي ذلك عن التتابع في قضاء رمضان رضي الله عنه، علي بن أبي طالب وغيرهما. وابن عمر،
وأباح تفرقته أنس بن مالك، وغيرهما، وهو مذهب ومعاذ بن جبل، مالك، والشافعي، وأصحابه. وأبي حنيفة،
واستحب مالك، وغيرهما المتابعة. والشافعي،
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين : قد روي عن معاذ بن جبل، وابن عباس، وغيرهم: أنه كان في أول الإسلام من أطاق الصوم مخير بين الصيام والإفطار والإطعام، فنسخ ذلك بقوله: وابن عمر، فمن شهد منكم الشهر فليصمه .
وقال الربيع بن أنس، : كان ذلك حكما خاصا للشيخ والعجوز [اللذين لا يطيقان الصيام، فنسخ بقوله: وقتادة فمن شهد منكم الشهر فليصمه ].
ومعنى هذا القول في الشيخ والعجوز: اللذين لا يطيقان الصوم إلا بمشقة.
فأما اللذان لا يطيقانه البتة؛ فلا يسوغ تأول القول فيهما؛ إذ لا يجوز [ ص: 420 ] أن يكلفا الصيام وهما عاجزان عنه، وسأذكر مذاهب العلماء في ذلك.
وعن ابن عباس، وعكرمة، وغيرهم: أن المعنى: (وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال شبابهم وصحتهم فعجزوا لكبر أو مرض فدية طعام مساكين. والسدي،
ومن قرأ: (يطوقونه) أو (يطوقونه) ؛ فالمعنى: (يطوقونه ولا يطيقونه)، والآية محكمة، ويدخل في هذا على قول من قال: إن المعنى: يكلفونه ولا يطيقونه إلا على مشقة - وهو قول وغيره - كل من يقدر على الصيام بمشقة؛ كالحامل، والمرضع، وغيرهما، إلا المسافر والمريض اللذين جاء النص بأنهما ليس عليهما سوى القضاء، على اختلاف بين العلماء في الحامل والمرضع. ابن عباس
عند ولا إطعام على الكبير إذا عجز عن الصيام مالك، وربيعة، وغيرهم. وأبي ثور،
قال : وأحب لمن قوي أن يطعم عن كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم. مالك
[ ص: 421 ] وأوجب الشافعي، وغيرهما عليه الإطعام. وأبو حنيفة،
وروي عن ابن عباس، في الحامل والمرضع أنهما يطعمان ويفطران، ولا قضاء عليهما. وابن عمر
وقال الحسن، وعطاء، وغيرهما: يفطران ويقضيان، ولا إطعام عليهما، وهو مذهب وأصحابه. أبي حنيفة
وقال الشافعي، : يفطران، ويطعمان، ويقضيان. وابن حنبل
ورأى على الحامل القضاء [بغير إطعام إن أفطرت، وعلى المرضع - إن أفطرت- القضاء] والإطعام. مالك
وقوله: فمن تطوع خيرا فهو خير له قال وغيره: فمن تطوع فزاد مسكينا. ابن عباس
وأن تصوموا خير لكم قال : وأن تصوموا مع الفدية خير لكم. هذا على أن ما تقدم منسوخ، ومن جعله محكما؛ فالمراد عنده: الشيخ والعجوز، والمعنى: وأن تصوموا - إن أطقتم - خير لكم. الزهري