التفسير:
يا أيها النبي اتق الله أي: اثبت على تقوى الله، والخطاب؛ قيل: إنه له ولأمته، وقيل: لأمته دونه. قوله تعالى:
وقوله: ولا تطع الكافرين يعني: في قولهم: اطرد عنا أتباعك، {والمنافقين}: فيما يظهرونه، ويبطنون خلافه.
[ ص: 271 ] وقوله: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم الآية:
قال قتادة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت أول الأنبياء في الخلق، وآخرهم في البعث"، قال: فلذلك قدم ذكره في هذه الآية؛ والمعنى: أخذنا الميثاق على النبيين بأن يصدق بعضهم بعضا.
وقوله: ليسأل الصادقين عن صدقهم معناه: أنه أخذ عليهم الميثاق؛ ليسألهم: ماذا أجابهم من أرسلوا إليه؟
وقوله: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود الآية: هذا في فيما ذكره وقعة الخندق؛ وهي الأحزاب، وكانت في شوال سنة خمس، ابن إسحاق، وقال كانت سنة أربع. مالك:
وكان سببها: إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير.
والأحزاب: قريش - وقائدها: [أبو سفيان - وغطفان - وقائدها]: عيينة بن حصن - والحارث بن عوف، في بني مرة، ومسعود بن رخيلة بن نويرة. [ ص: 272 ] في من تابعه من قومه من أشجع.
وفيها ضرب الخندق على المدينة، وعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقد ذكرت القصة مختصرة في "الكبير".
وقوله: فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها : قال كانت الريح الصبا، كانت تكفأ قدورهم، وتنزع فساطيطهم. مجاهد:
قال: و (الجنود): الملائكة، ولم تقاتل يومئذ.
وقوله: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم : (الذين جاءوا من فوق): الزجاج: بنو قريظة، و (الذين جاءوا من أسفل): من سواهم من الأحزاب، جاؤوا من ناحية مكة.
(الذين جاءوا من فوقهم): مجاهد: عيينة بن حصن، جاءهم من بدر في أهل نجد، و (الذين جاءوا من أسفل منهم): أبو سفيان، وواجهتهم قريظة.
وقوله: وإذ زاغت الأبصار أي: عدلت، ومالت [عن القصد دهشا، وقيل: المعنى: زاغت عن النظر إلى كل شيء، فلم تنظر إلا إلى أعدائها].
[ ص: 273 ] وقوله: وبلغت القلوب الحناجر أي: شخصت عن مواضعها، وهو تمثيل لشدة الرعب.
[ويجوز أن يكون المعنى: أن أحدهم من شدة الخوف تنتفخ رئته؛ كما يقولون: (انتفخ سحره)، وإذا انتفخت الرئة؛ لم يمتنع أن يرتفع القلب.
ويجوز أن يكون على تقدير إضمار (كادت) ؛ أي: وكادت القلوب تبلغ الحناجر].
وقوله: وتظنون بالله الظنونا : قال ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون، وظن المؤمنون أنهم ينصرون. الحسن:
وقوله: هنالك ابتلي المؤمنون : أي اختبروا، {وزلزلوا} أي: خوفوا.
والعامل في {هنالك}: يجوز أن يكون {ابتلي} ؛ فلا يوقف على {هنالك}، ويجوز أن يكون وتظنون بالله الظنونا ، فيوقف على {هنالك}.
وقوله: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا روي: أن المنافقين قالوا: يعدنا محمد بفتح مكة، وقسم كنوز فارس والروم، وهلاك قيصر ونحن لا يأمن أحدنا يذهب إلى الغائط، وما يعدنا إلا غرورا. وكسرى،
قال الذي قال: ابن زيد: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا : معتب بن قشير.
[ ص: 274 ] وقوله: {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا}: {يثرب}: اسم أرض، و (المدينة): في ناحية منها؛ والمعنى: أن طائفة من المنافقين قالوا لأهل يثرب: لا مقام لكم مع محمد، فارجعوا إلى منازلكم.
وقوله: ويستأذن فريق منهم النبي أي: في الرجوع.
وقوله: يقولون إن بيوتنا عورة أي: ضائعة، ليس لها من يحفظها، ولا من يسترها.
ابن عباس، المعنى: نخاف أن تسرق. ومجاهد:
وقال يزيد بن رومان: قائل ذلك: أوس بن قيظي، عن ملأ من قومه.
هم ابن عباس: بنو حارثة.
وقوله: وما هي بعورة أي: لأن الله يحفظها.
وقوله: إن يريدون إلا فرارا أي: عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ولو دخلت عليهم من أقطارها أي: نواحيها.
وقوله: {ثم سئلوا الفتنة لأتوها} أي: لجاءوها، وهذا على قراءة من قصر، ومن مد؛ فالمعنى على قراءته: لأعطوها من أنفسهم.
الحسن: {الفتنة}: الشرك.
[ ص: 275 ] وقوله: وما تلبثوا بها إلا يسيرا أي: بالمدينة.
وقوله: وإذا لا تمتعون إلا قليلا يعني: ما بينهم وبين الأجل، عن وغيره. مجاهد
وقوله: قد يعلم الله المعوقين منكم أي: الذين يثبطون الناس عن القتال.
وقوله: والقائلين لإخوانهم هلم إلينا يعني: أنهم كانوا يوصون بذلك إلى أبي سفيان، روي معناه عن وغيره. قتادة
وقيل: إن قولهم: هلم إلينا لأصحابهم؛ أي: هلموا إلينا ودعوا محمدا؛ فإنا نخاف عليكم.
نزلت في أخوين كان أحدهما مؤمنا، والآخر منافقا. ابن زيد:
وقوله: ولا يأتون البأس إلا قليلا أي: لا يأتون الحرب إلا وقتا قليلا، أو إتيانا قليلا؛ رياء، لا حقيقة.
[ أشحة عليكم يعني: بالإنفاق في سبيل الله، وقيل: في الغنيمة]، وعن مجاهد أشحة عليكم بالحفر في الخندق. وقتادة:
وقوله: فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت يعني: أنهم من خوف القتال وتوقع الهلاك على الصفة المذكورة.
وقوله: فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد : قال أي: سلقوكم بالأذى. ابن عباس:
وقيل: سلقوكم بطلب الغنيمة، روي معناه عن قتادة.
[ ص: 276 ] يزيد بن رومان: سلقوكم بما تحبون؛ نفاقا منهم.
الحسن: جادلوكم؛ يقال: (خطيب مسلاق، وسلاق) ؛ إذا كان بليغا؛ فالمعنى: بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم.
وقوله: أشحة على الخير أي: على الغنيمة.
أولئك لم يؤمنوا أي: باعتقادهم.
وقوله: يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي: يحسبونهم مقيمين بالموضع الذي كانوا به؛ لشدة جبنهم.
وقوله: وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب : [أي: يود المنافقون -إذا جاءهم من يقاتلهم- لو أنهم بادون في الأعراب]؛ أي: غير حاضرين.
وقوله: يسألون عن أنبائكم أي: عن أخباركم، ويظهرون لكم أنهم يقاتلون معكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا .
وقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة : (الإسوة): ما يتأسى به؛ أي: يتعزى به.
وقوله: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله : قيل: إن الذي [ ص: 277 ] وعدهم الله به قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم [البقرة: 214] الآية.
وقوله: وما زادهم إلا إيمانا وتسليما أي: وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم، روي معناه عن ابن عباس.
ما زادهم البلاء. الحسن:
الفراء، وعلي بن سليمان: الضمير للرؤية، وتأنيثها غير حقيقي، ودل عليها: ولما رأى المؤمنون الأحزاب .
ومعنى إلا إيمانا وتسليما أي: إلا إيمانا بالله، وتسليما لأمره.