التفسير:
قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض أي: هاديهن، عن وعنه أيضا: مدبرهما، ومدبر ما فيهما; وتقديره: الله ذو نور السماوات والأرض. ابن عباس،
وقوله: مثل نوره كمشكاة فيها مصباح : قال بدأ الله ـ عز وجل ـ بنوره، ثم ذكر نور المؤمنين. أبي بن كعب:
وقيل: المعنى: مثل ما أنار الله من الحق بهذا التنزيل كمشكاة، فالهاء لله عز وجل; بالتقدير: الله هادي السماوات والأرض، مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة، روي ذلك عن وكذلك قال ابن عباس، زيد بن أسلم إن الهاء لله عز وجل، ونوره القرآن. والحسن:
كعب الأحبار، (النور) ههنا: وابن جبير: محمد صلى الله عليه وسلم، فالهاء في {نوره} له صلى الله عليه وسلم، وهذا على أن قوله: مثل نوره مستأنف; كأنه قال: مثل نور محمد - إذ كان [ ص: 544 ] مستودعا في الأصلاب - كمشكاة، و (الشجرة) على هذا: إبراهيم عليه السلام، [ و {المصباح} ، و {الزجاجة} : تمثيل لقلب النبي عليه الصلاة والسلام].
الهاء في {نوره} للمؤمن; والمعنى: مثل نور المؤمن كمشكاة. الضحاك:
و (المشكاة) : الكوة، عن ابن عباس، وقاله وابن جريج، ، وقال: هي التي ليست بنافذة. الضحاك
وقيل: (المشكاة) : الحدائد التي تعلق بها القناديل.
وقيل: هو القائم في وسط القنديل، الذي تدخل فيه الفتيلة.
قال أبي بن كعب: (المشكاة) : مثل لصدر المؤمن، و {الزجاجة} : قلبه، و {المصباح} : الإيمان والقرآن.
وقوله: الزجاجة كأنها كوكب دري : نسب إلى الدر في صفاته، و {دري} :(فعيل) من (درأ) ; أي: دفع; لأن الكواكب تدفع الشياطين.
وقال الضحاك: (الكوكب) ههنا: الزهرة.
وقوله: يوقد من شجرة مباركة يعني: بزيتها.
لا شرقية ولا غربية : قال أي: ليست شرقية بغير غرب، ولا غربية بغير شرق، وذلك أصفى لزيتها، وقاله ابن عباس: قتادة.
وقيل: إن معنى هذا القول: أنها ليست بارزة للشمس لا يصيبها الظل; [ ص: 545 ] فتكون [شرقية، ولا بارزة للظل لا تصيبها الشمس; فتكون] [غربية أبومالك: المعنى: لا تصيبها الشمس وقت الشروق، ولا وقت الغروب]، لكنها في فجوة بين شجر.
وقوله: يكاد زيتها يضيء يعني: أن حجج الله لمن فكر فيها تكاد تضيء; لبيانها ووضوحها.
و ولو لم تمسسه نار يعني: أن هذا الزيت من شدة صفائه يكاد يضئ بغير نار.
نور على نور : قال يعني: المؤمن كلامه نور، وعمله نور، ومصيره يوم القيامة إلى النور. أبي بن كعب:
السدي: يعني: نور النار، ونور الزيت، [لا يغني واحد منهما بغير صاحبه]; فكذلك نور الإيمان، ونور القرآن.
يعني: نور الإيمان، ونور العمل. الضحاك:
يعني: أن هذا الطبري: وقوله: القرآن نور، أنزله الله ـ عز وجل ـ على عباده يستضيئون به، على نور يعني: الحجج التي نصبها لهم دلالة على وحدانيته قبل نزول القرآن.
[ ص: 546 ] (النور) : القرآن; يعني: أنه يضيء بعضه بعضا. ابن زيد:
ومن جعل الهاء في {نوره} لله عز وجل; لم يقف على {الأرض} ، ومن جعلها للمؤمن; وقف على {الأرض} .
وقوله: في بيوت أذن الله أن ترفع : قال هو متعلق بقوله: ابن زيد: فيها مصباح .
وقال هو متعلق بقوله: الطبري: يوقد من شجرة .
وقال أحمد بن يحيى: هو حال مما قبله.
فلا يوقف على هذه الأقوال على {عليم} ، ويوقف عليه إذا قدر في بيوت أذن الله أن ترفع متعلقا بـ {يسبح} .
و (البيوت) : المساجد، عن وغيره، قال ابن عباس، نهي عن اللغو فيها. ابن عباس:
يعني: الحسن: بيت المقدس، هي بيوت النبي صلي الله عليه وسلم، عكرمة: هي البيوت كلها. مجاهد:
وقيل: المعنى: صلوا في بيوت أذن الله أن ترفع.
ومعنى {ترفع} في قول تبنى، الحسن: معناه: تصان، وتعظم. مجاهد:
وقوله: لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله : قال يعني: حضور الصلاة، وقاله عطاء: وقال: المكتوبة. ابن عباس،
[ ص: 547 ] عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: أبو هريرة "هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله".
نزلت في أهل الأسواق. ابن عمر:
و {الزكاة} عند ههنا: الطاعة، والإخلاص، وقال غيره: الزكاة المفروضة. ابن عباس
وقوله: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار : قيل: معناه: تتقلب فيه قلوب الشاكين عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم; لرؤيتهم اليقين.
وقيل: تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم؟ وإلى أي ناحية يؤخذ بهم؟ وقيل: هو كقوله: يوم تقلب وجوههم في النار [الأحزاب:66]، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم [الأنعام:110]، في قول من جعل المعنى: نقلبها على لهب النار.
وقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة : (السراب) : ما لصق بالأرض، ويكون نصف النهار، و (الآل) : الذي يرفع كل شيء، يرى أول النهار وآخره.
[ ص: 548 ] و (القيعة) : جمع (قاع) ; كـ (جار وجيرة) ، عن الفراء.
(القيعة) و (القاع) : سواء; وهو ما انبسط من الأرض، ولم يكن فيه نبت. أبو عبيدة:
و {الظمآن} : العطشان.
وقوله: حتى إذا جاءه لم يجده شيئا : [يعني: إذا جاء موضع السراب; لم يجد فيه شيئا]، فالهاء في {جاءه} : لموضع السراب، والضمير المرفوع فيه لـ {الظمآن} ، وكذلك الضمير في {وجد} المراد به: الكافر; ومعنى ووجد الله عنده : وجد وعده بالجزاء على عمله.
وقوله: أو كظلمات في بحر لجي : {أو} : للإباحة، حسب ما تقدم من القول في أو كصيب [البقرة:19].
قال الكافر يتقلب في خمس ظلمات: كلامه، وعمله، ومخرجه، ومدخله، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة. أبي بن كعب:
وقوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها : قيل: المعنى: لم يقارب رؤيتها، وقيل: المعنى: لم يكد يراها إلا بعد وتعب.
أبوعبيدة: المعنى: لم يرها، ولم يكد.
[ ص: 549 ] وقوله: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور : قال ذلك في الدنيا; والمعنى: من لم يهده الله لم يهتد. الزجاج:
غيره: هو في الآخرة; والمعنى: من لم يجعل الله له في الآخرة نورا; لم يهتد إلى الجنة.
وهذا المثل للكافر; فـ (الظلمات) : أعماله، و (البحر) : قلبه، و (اللجي) : العميق الكثير الماء، و (الموج) : الضلالة والحيرة، وكذلك (السحاب) ، روي معناه عن ابن عباس.
والوقف لمن رفع {ظلمات} على {سحاب} ، ولا يوقف [عليه لمن أضاف أو نون وجر {ظلمات} ، ولا يقف] على يغشاه موج ، ولا على من فوقه موج ; لأن ما بعدهما نعت لهما.