الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إنا منكم وجلون أي: فزعون.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تكن من القانطين : (القنوط): اليأس من رحمة الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين : قيل: معنى: {قدرنا}: علمنا، وقيل: هو على بابه؛ أي: هو تقديرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم معنى {الغابرين}.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون أي: يشكون؛ يعني: العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مقطوع مصبحين أي: عند الصبح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولم ننهك عن العالمين أي: عن ضيافة أحد من العالمين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 644 ] وقوله: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون : (العمر) و (العمر) واحد، إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح، ومعناه: مدة بقائه حيا، [فإذا قيل لأحد من المخلوقين: لعمرك؛ فإنما معناه: مدة بقائه]، وكره كثير من العلماء أن يقول الإنسان: (لعمري) ؛ لأن معناه: وحياتي، وكذلك قال ابن عباس: معنى {لعمرك}: وحياتك، وهذا من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم التي اختص بها، فأقسم الباري عز وجل بحياته صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لفي سكرتهم يعمهون أي: لفي جهلهم وغفلتهم يتحيرون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأخذتهم الصيحة مشرقين : يقال: (شرقت الشمس) ؛ إذا طلعت، و (أشرقت) ؛ إذا أضاءت، وقيل: هما لغتان بمعنى، و (الصيحة): العذاب، وتقدم ذكر {سجيل}.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين أي: المتفرسين، قتادة: المعتبرين، ابن زيد: المتفكرين، الضحاك: الناظرين، أبو عبيدة: المتبصرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وحقيقة (المتوسم): الناظر في السمة الدالة؛ فمعنى (توسمت): نظرت نظر متثبت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 645 ] وقوله تعالى: وإنها لبسبيل مقيم أي: وإن مدينة قوم لوط لبطريق واضح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وإن الآيات لبطريق واضح، يمر بها كل مجتاز، قاله مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      إن في ذلك لآية للمؤمنين أي: إن في صنيعنا بقوم لوط لآية للمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين : {الأيكة}: الشجرة، عن الحسن، وغيره، وجمعها (الأيك).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي الشجر الملتف، وروي: أن شجرهم كان ذو ماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الأيكة}: اسم القرية، وقيل: اسم البلدة، وتقدم خبر شعيب وقومه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإنهما لبإمام مبين يعني: مدينة قوم لوط، وبقعة أصحاب الأيكة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس، وغيره: المعنى: وإنهما لبطريق يؤم، ويتبع.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: تمرون عليهما في أسفاركم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وإنهما لفي الكتاب السابق؛ أي: قد سبق ما جرى من أمرهما في أم الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين : {الحجر}: مدينة ثمود، عن الزهري.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هو الوادي الذي فيه مدينة ثمود.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 646 ] وقوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني : قال علي رضي الله عنه، وأبو هريرة، وغيرهما: يعني: أم القرآن، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما: يعني: السبع الطوال من أول القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      فـ {من} على القولين يجوز أن تكون للتبعيض، ويجوز أن تكون لبيان الجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      وسميت أم القرآن مثاني؛ لأنها تثنى في كل صلاة، وقيل: لأن الله عز وجل استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يعطها أحدا قبلهم، وسميت السبع الطوال مثاني؛ لأن الفرائض والقصص تثنى فيها؛ وهي من (البقرة) إلى (الأعراف) ست، واختلف في السابعة؛ فقيل: هي (يونس)، وقيل: هي (الأنفال) و (براءة) ؛ وكانتا سورة واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {المثاني} القرآن كله؛ كما قال في موضع آخر: كتابا متشابها مثاني [الزمر: 23]، سمي أيضا مثاني؛ لأن الأخبار تثنى فيه، فتكون {من} للتبعيض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي: استغن بالقرآن عما في أيدي الأغنياء، وتقدم القول في معنى (الأزواج).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تحزن عليهم أي: لا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا؛ فلك في الآخرة أفضل منه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 647 ] وقوله: واخفض جناحك للمؤمنين أي: ألنه لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كما أنـزلنا على المقتسمين : [أي: وقل: إني أنا النذير المبين ما جئتكم به، أنذركم عذابا كما أنزل على المقتسمين].

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس، وغيره: يعني بـ {المقتسمين}: أهل الكتاب، اقتسموه، فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم كفار قريش، عضوا القرآن؛ أي: فرقوا القول فيه؛ فقال بعضهم: هو سحر، وبعضهم: شعر، وبعضهم: أساطير الأولين، عن قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: هم أهل الملل.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: هم أهل الكتاب، اقتسموا القرآن؛ فقال بعضهم: هذه السورة لي، وقال الآخر: هذه السورة لي؛ استهزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: هم قوم صالح، تقاسموا على تبييته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم قوم من المشركين، اقتسموا على طريق مكة ينفرون الناس عن [ ص: 648 ] النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال بعضهم: هو ساحر، [وقال بعضهم: هو شاعر]، وقال بعضهم: هو مجنون؛ فأنزل الله تعالى بهم عذابا أهلكهم، روي معناه عن ابن عباس، وقال: كانوا اثني عشر، وقال بنحوه الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هم قوم أقسموا ألا يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: {عضين}: مفرقا؛ بالإيمان ببعضه، والكفر ببعضه، أو بتفريقهم القول في القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم، حسب ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد {عضين}: (عضة)، والمنقوص منه لام الفعل، وهي واو، فهو مثل: (عزة) و (عزين).

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: هو مأخوذ من (العضاه) ؛ وهي شجر، قال: والعرب تقول: (عضيت الشيء) ؛ إذا وزعته، و (عضيت الذبيحة) ؛ إذا قطعتها أعضاء، و (العضة): القطعة منها، والجمع: (عضون).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 649 ] أبو عبيدة: هو مأخوذ من (الأعضاء) ؛ والمعنى: أنهم فرقوا القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين يعني: الذين جعلوا القرآن عضين؛ أي: لنسألنهم في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا، وقيل: هي عامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاصدع بما تؤمر : قال مجاهد: أي: اجهر بالقرآن في الصلاة، ومنه: (صدع بالشيء) ؛ إذا أظهره، ومنه قيل للصبح: (صديع).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: اصدع الباطل بما تؤمر؛ أي: افرقه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا كفيناك المستهزئين : قيل: هم خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب، وفي خبر آخر: كانوا ستة، زيد فيهم: الحارث بن عيطلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أنهم مروا على النبي صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، فجعل جبريل يقول: كيف هذا؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بئس عبد الله"، فيقول له جبريل: كفيناكه، فتعلق برداء الوليد سهم، فذهب ليجلس؛ فقطع أكحله؛ فمات منه، وضرب الأسود ابن عبد يغوث بغصن فيه شوك في وجهه؛ فسالت حدقتاه، ووطئ [ ص: 650 ] العاصي بن وائل شوكة؛ فتساقط لحمه عن عظامه؛ فمات، وأما الأسود بن عبد المطلب، وعدي بن قيس؛ فقام أحدهما من الليل، فشرب من جرة حتى انفتق بطنه، فمات، ولدغت الآخر حية؛ فمات، قال ابن عباس: هلكوا في ليلة واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين أي: وال العبادة إلى الممات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية