الإعراب:
ثم لم تكن فتنتهم : القول في التاء والياء في (نكن) كالقول في: ولا يقبل منها شفاعة [البقرة: 48]، ومن رفع فتنتهم ; جعلها اسم (كان)، والخبر: إلا أن قالوا ، ومن نصبها جعلها خبر (كان)، و (أن قالوا): الاسم، والياء في (يكن): محمولة على المعنى; لأن الفتنة هي القول.
[ ص: 579 ] ومن قرأ بجر (ربنا); فعلى أنه وصف لاسم الله عز وجل، ومن نصبه فهو نداء، وفصل بين القسم وجوابه بالمنادى.
ومن فتح الواو من قوله: (وقرا); فهو المستعمل في ثقل السمع، ومن كسرها; فالمعنى: أنه جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول، على التشبيه بوقر البعير; وهو مقدار ما يطيق أن يحمل، وكانوا يسمعون، إلا أنه تمثيل في القراءتين جميعا.
فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون : من نصب الفعلين; جعلهما داخلين في التمني، والتمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي في المعنى، فكأنه في المعنى: قالوا: إن رددنا لم نكذب، وكنا من المؤمنين.
وأجاز كون الواو جوابا كالفاء، وكثير من البصريين لا يجيزون الجواب إلا بالفاء. الزجاج
وقيل: إن النصب على الصرف; والمعنى: يا ليتنا اجتمع لنا الأمران: الرد [ ص: 580 ] وترك التكذيب.
ومن رفع الفعلين احتمل أن يكون على الاستئناف، والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين، رددنا أو لم نرد.
قال ومثله: (دعني ولا أعود); أي: ولا أعود على كل حال، تركتني أو لم تتركني، ويقوي ذلك قوله: سيبويه: وإنهم لكاذبون ، ويحتمل أن يكونا داخلين في التمني، معطوفين على (نرد)، فكأنهم تمنوا الرد، وألا يكذبوا، وأن يكونوا من المؤمنين.
واستدل على خروجه عن التمني بقوله: (وإنهم لكاذبون); لأن الكذب لا يكون في التمني، إنما يكون في الخبر، وقال: من جعله داخلا في التمني: المعنى: وإنهم لكاذبون في الدنيا في إنكارهم البعث، وتكذيبهم الرسل، وقيل: المعنى: وإنهم لكاذبون إن أخبروا عن أنفسهم بالرجوع، [وقيل: المعنى: كذب تمنيهم، كما يقال لمن يتمنى ما لا يدرك: (كذب تمنيك، وأكدى رجاؤك)، وشبهه]. أبو عمرو
ومن جعل الواو كالفاء، وجعل المعنى: إن رددنا لم نكذب; احتمل دخول الكذب فيه; لما فيه من معنى الخبر، أو الجزاء)، كالأمر إذا صار فيه معنى الخبر.
[ ص: 581 ] ومن رفع (نكذب)، ونصب (ونكون); جاز أن يكون (ولا نكذب) داخلا في التمني، وجاز أن يكون منقطعا على معنى: ونحن لا نكذب، رددنا أو لم نرد، فيكون الرد والكون من المؤمنين داخلين في التمني، وأخبروا عن أنفسهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم على كل حال.
وللدار الآخرة خير : من أضاف; فعلى تقدير حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه; التقدير: ولدار الحياة الآخرة، والقراءة الأخرى: على أن (الآخرة) صفة لـ (الدار)، يقويه: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان (العنكبوت: 14]، وشبهه.
وتقدم القول في: (يكذبونك).
ولقد جاءك من نبإ المرسلين : أجاز أبو علي: أن يكون الجار والمجرور في موضع رفع، وشبهه بقولك: (أكرم بزيد!)، قال: ومثل دخول حرف الجر على الفاعل دخوله على المبتدأ في قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس: 27]، وأنكر ذلك من حيث لا يزاد (من) في الواجب، قال: وفاعل (جاء) مضمرا; والمعنى: ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ، قال: ولا يجوز أن يكون محذوفا; لأن الفاعل إذا استغني عن إظهاره; أضمر، ولم يحذف. الرماني
ومن خفف الراء من قوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء ; فلثقل [ ص: 582 ] التضعيف مع تكرار الراء.
صم وبكم في الظلمات : الظرف متعلق بمحذوف، ويكون مع (صم وبكم) خبر المبتدأ; يدل على ذلك: أنها بمنزلة: صم بكم عمي [البقرة: 18]، فوضع (في الظلمات) في موضع (عمي)، فهو مثل: (هذا حلو حامض)، ودخلت الواو; لأن معناها الجمع; ولذلك دخلت على الصفات في نحو: (مررت برجل ظريف وكريم).