المبحث الحادي عشر: الشرط الحادي عشر: كونه محتاجا غير غني
اختلف العلماء في على قولين: اشتراط كون الموصى له محتاجا أو غير محتاج
القول الأول: أنه لا يشترط.
وبه قال أكثر الفقهاء.
والأفضل جعلها في القرابة المحتاجين بدل الأغنياء الموسرين.
القول الثاني: أنه لا تجوز . الوصية لغني، أو ما لا يراد به القربة
وبه قال بعض المالكية .
الأدلة:
أدلة الرأي الأول:
استدل لهذا الرأي بما يلي:
1 - عموم أدلة الوصايا، فإنها تشمل الغني والفقير، وغناهم لا يمنعهم عن الحق الذي جعله الله لهم.
[ ص: 580 ] 2 - أنه صلى الله عليه وسلم أوصى له وقبل الوصية، ولم يكن فقيرا، ولا محتاجا، قال تعالى: ووجدك عائلا فأغنى
3 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم ، عن ابن شهاب ، عن أبيه رضي الله عنهما سالم بن عبد الله رضي الله عنه العطاء، فيقول له عمر بن الخطاب : أعطه، يا رسول الله، أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك" عمر قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي سالم : "فمن أجل ذلك كان لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه" . ابن عمر
4 - ما روى البخاري من طريق ومسلم إسحاق بن عبد الله أنه رضي الله عنه يقول:... فلما أنزلت هذه الآية، قام أنس بن مالك فقال: يا رسول الله إن الله يقول: أبو طلحة لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" . سمع
قال : "وفيه رد على من كره ابن عبد البر لأن أقارب أكل الصدقة التطوع للغني من غير مسألة; الذين قسم عليهم صدقته تلك لم يبن لنا أنهم فقراء". أبي طلحة
[ ص: 581 ] 5 - أن العلماء اتفقوا على جواز صرف صدقة التطوع فيهم.
قال : "ثم التصدق على الغني يكون قربة يستحق بها الثواب". السرخسي
قال النووي : "تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل".
قال ابن مفلح : "تجوز صدقة التطوع على كافر وغني وغيرهما، نص عليه، ولهم أخذها".
دليل الرأي الثاني:
(194) 1 - ما رواه من طريق عبد الرزاق قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابتاعوا أنفسكم من ربكم أيها الناس ألا إنه ليس لامرئ شيء، ألا لا أعرفن امرأ بخيل بحق الله عليه حتى إذا حضره الموت أخذ يدعدع ماله هاهنا وهاهنا" قال: ثم يقول قتادة : ويلك يا ابن آدم كنت بخيلا ممسكا حتى إذا حضرك الموت أخذت تدعدع مالك وتفرقه، ابن آدم اتق الله، اتق الله، ولا تجمع إساءتين في مالك إساءة في الحياة، وإساءة عند الموت انظر قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف" .
فعموم قوله: "الذين يحتاجون" أن الذين لا يحتاجون لا يوصي لهم، وبه يقيد عموم الوصية للوالدين والأقربين وغيرهما من الأدلة العامة، بناء على حجية مفهوم المخالفة، وصحة التخصيص له.
[ ص: 582 ] 2 - ما رواه من طريق البخاري ثابت ، عن ، أنس : "اجعلها لفقراء أقاربك" لأبي طلحة . قال النبي صلى الله عليه وسلم
والحديث وإن ورد في الوقف، فإن الوصية مقيسة عليه، وملحقة به، فيخص عموم الأدلة بهذا القياس على القول بصحة التخصيص به عند هؤلاء.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم -: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم; لقوة دليلهم، ومناقشة دليل القول الآخر.
[ ص: 583 ]