الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        (239) 4- ما رواه ابن حزم من طريق ابن وهب: بلغني عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- "كانت تعمر بني أخيها حياتهم، فإذا انقرض أحدهم قبضت مسكنه، فورثنا نحن ذلك كله اليوم عنها" (ضعيف) .

        وجه الدلالة: حيث دل هذا الأثر على وقوع العمرى بمعنى هبة المنافع مستقلة عن الذات، وقد فعلته أم المؤمنين عائشة، ولا تفعل ذلك بغير دليل على جواز ذلك. [ ص: 23 ]

        وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

        قالوا: إن خبر عائشة باطل، وهو مرسل، وأن عبد الرحمن بن القاسم وأباه القاسم وجده محمدا لم يرثوا عائشة ; لأن محمدا قتل في حياة عائشة قبل موتها بنحو عشرين سنة، وإنما ورثها عبد الله بن عبد الرحمن فقط; لأنه كان ابن شقيقها فحجب القاسم بن محمد، ولو صح ذلك لكان قد خالفها ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم.

        قالوا: إن العمرى معناها عند العرب تمليك المنافع فقط.

        والجواب على هذا: أن العمرى إذا كانت عند العرب تمليك المنافع فقط والرقبة على ملك صاحبها، فنقول: قد جعلها الشارع تمليك رقبة كما كانت الصلاة عند العرب دعاء، فجعلها الشارع عبادة خاصة; لأن الشرع نقل حقائق لغوية إلى معان شرعية.

        ومن المقرر في علم الأصول: أن اللفظ في خطاب الشارع يحمل على المعنى الشرعي لا اللغوي.

        6- أن الإمام مالكا لم يجد على ذلك عمل أهل المدينة.

        ونوقش: بأن عمل أهل المدينة موضع خلاف بين أهل العلم في الاحتجاج به.

        القول الثالث: أن العمرى هبة صحيحة إذا أعمرها له ولعقبه، فأما إذا لم يقل: لعقبه، فهي تمليك للمنافع فقط، وترجع بعد ذلك للمعمر. [ ص: 24 ]

        قال بذلك عروة بن الزبير، وأبو ثور، وداود بن علي، والزهري.

        وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "إنما العمرى التي أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها.

        وجه الدلالة: حيث جعل لذكر العقب حكمة، وللسكوت عنه حكمة، فدل ذلك على التفريق بينهما.

        قال ابن حزم في الرد على هذا الاستدلال: "ولا حجة لهم فيه; لأن السند منه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما العمرى التي أجازها أن يقول: هي لك ولعقبك، وأما باقي لفظ الخبر فمن كلام جابر، ولا حجة في أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد خالف جابرا ههنا ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- وغيرهما...، فإنما في هذا الخبر حكم العمرى إذا قال المعمر: هي لك ولعقبك، وبقي حكمه إذا لم يقل هذا الكلام لا ذكر له في هذا الخبر، فوجب طلبه من غيره".

        التالي السابق


        الخدمات العلمية