الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: عمارة الوقف إذا كان على جهة خاصة:

        إذا كان الوقف على جهة معينة كما لو أوقف شخص على أولاده منزلا يسكنونه، أو دكانا يستثمرونه، واحتاج إلى عمارة بأن انهدم بعضه مثلا، أو احتاج إلى ترميم حيث يتوقف الانتفاع به على ذلك، فما الجهة التي يصرف منها على عمارته وإصلاحه؟ وهل يجوز تركه بغير عمارة ولا إصلاح؟

        [ ص: 360 ] تحرير محل النزاع:

        لا خلاف بين أهل العلم أن الوقف إذا كانت له غلة; فإنه ينفق على إصلاحه من هذه الغلة، وإنما اختلفوا فيما لو كان الوقف لا غلة له كدار أوقفها شخص على أولاده ليسكنوها، فعلى من تكون عمارة الوقف؟.

        للعلماء قولان:

        القول الأول: أنه جهة الإنفاق على عمارة الوقف على المنتفع من الوقف، وهم الموقوف عليهم، فإن امتنعوا، فيستثمر الوقف وينفق على عمارته من غلته.

        وهذا قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

        القول الثاني: أنه لا تجب عمارته على أحد.

        وإلى هذا القول ذهب الحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (العمارة على الموقوف عليه، وإلا استثمر الوقف، وأنفق عليه من غلته) :

        1 - حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ [ ص: 361 ] وقع عن راحلته، فوقصته أو قال: فأقعصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين أو قال: ثوبيه» .

        فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤنة في مال المتوفى، فكذا عمارة الوقف إذا كان له غلة في مال الموقوف عليهم.

        2 - حديث عمر رضي الله عنه في الوقف.

        وجه الدلالة: أن المقصود من الوقف الانتفاع به مع بقاء عينه، وهذا لا يتم إلا بالإنفاق على عمارته وإصلاحه.

        3 - حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه قوله: «الخراج بالضمان» .

        وجه الدلالة: أن الغنم بالغرم، فالغنم بالانتفاع يقابله الغرم بالعمارة، فإذا لم ينفق الموقوف عليه لعمارة العين الموقوفة، فيمنع من خراجها حتى تتم عمارتها.

        4 - حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وفيه: «وكان ينهى - أي: النبي صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال» ، وترك عمارة الموقف من إضاعة المال.

        وجه الدلالة: أن إهمال الوقف دون عمارته يتضرر به الوقف.

        5 - حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» .

        [ ص: 362 ] 6 - أن الواقف لا يرضى بإهمال الوقف وتضييعه، وترك عمارته تضييع له، فكأنه اشترطه.

        دليل القول الثاني: (لا تجب عمارته على أحد) :

        يمكن الاستدلال لهم: بأن الموقوف عليهم إنما يستحقون الانتفاع بالوقف وليس عليهم بعد ذلك ما يلزمهم، فإلزامهم بشيء يفتقر إلى دليل.

        ويمكن أن يناقش: بأنه لا ضرر عليهم في ذلك بل هم منتفعون، فإن لم يفعلوا ذلك بأنفسهم، فيؤخذ من غلة الوقف حيث أمكن استثماره، وإلا فإنما لزمهم لما يأتي من الدلالة على ذلك.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - القول الأول; لما يترتب على ذلك وهو إهمال الوقف وخرابه ومن ثم انعدام الانتفاع به، فإن القواعد الشرعية تمنع ذلك وتفيد الإلزام به بعمارته.

        ويؤيد هذا قاعدة: (المعروف عرفا كالمشروط لفظا.

        فلو أن الواقف اشترط على الموقوف عليه عمارته لزمه ذلك، فهو أيضا لا يرضى بإهمال وقفه وتضييعه، فيكون ذلك بمثابة المشروط لفظا، والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية