الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة دليله، وضعف دليل القول الثاني بمناقشته.
وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم: «والجواب: إذا كان المسجد الذي اجتاحته السيول تتعذر عمارته من غلة الوقف على سبيل الاستقلال أو المفاهمة من أهل البلد التي فيها المسجد وتجعل غلة الوقف فيه...، وأن القرية التي فيها المسجد الذي اجتاحته السيول لا تحتاج إلى عمارة مسجد، وأن المساجد الموجودة فيها لا يحتاج شيء منها إلى إصلاح لا في الوقت الحاضر ولا في الوقت القريب، وأن المسجد الذي سقط سقفه لا يمكن إصلاحه إلا من غلة هذا الوقف، فلا يظهر لنا مانع من إصلاحه بغلة الوقف، أما أصل الوقف فيبقى على البئر، وتعمر من غلته في المستقبل إذا احتاجت إلى ذلك، والسلام عليكم» .
وفيه أيضا: ، قال في «مختصر مجموع المنقور» : قال الشيخ «عمارة وقف من غلة آخر جائزة، بشرط اتحاد الواقف، واتحاد الجهة» تقي الدين: ولو وقف رجال أملاكا على جهة مثل أن يوقفوا على مسجد، فهل يجب، أو يجوز أن يعمر بعضها من فائدة بعض؟ الذي ينبغي جواز ذلك، بل وجوبه; لأن المستحق واحد. اهـ - ، وأفتى بعض أصحابنا بجواز عمارة وقف من ريع آخر بشرط اتحاد الجهة فقط. [ ص: 359 ] قال في الإنصاف: «وهو قوي، وعليه العمل اهـ. ومما ذكرناه يظهر حكم المسألة، فإنه إذا جاز استبدال الوقف بغيره أو بيعه والشراء بثمنه بدله أصلح منه، فكذلك عمارة أحد الواقفين بالآخر، ومثله إصلاح بعض الوقف الواحد ببعض، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .
وسئل أيضا: «عمن أوصت بثلث مال من عقار ودار وأثاث، وجعل الوصية في قطع متعددة، والمصلحة تقضي بجعلها في عقار متحد، فإن كان تعلمون أن لفظ الموصي يجعل القطع المذكور وقفا لازما لا يجوز العدول عنه فتبقى على وقفيتها، وإن رأيتم جواز جمعها في العقار الذي يكون أصلح للوقف وللموقوف عليهم، فبينوا لنا ذلك جزيتم عنا وعن المسلمين خيرا.
فأجاب: الذي يظهر لي جواز جعلها في عقار متحد; لأن ذلك مصلحة ظاهرة للوقف وللورثة، وقد قرر ابن تيمية رحمه الله: أنه يجوز مخالفة نصه إلى ما هو أنفع وأحب إلى الله، وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح الأربعين في الكلام على حديث رضي الله عنها: عائشة قال: وهذا الحديث إنما رواه «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» لما سئل عن رجل له مساكن فأوصى بثلث ثلاث مساكن، هل يجمع في مسكن واحد، حدثتني القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة [أخرجه «من عمل عملا فليس عليه أمرنا فهو رد» ومراده أن تغيير وصية الموصي إلى ما هو أحب إلى الله وأنفع جائز، وقد حكي هذا عن مسلم]، عطاء انتهى. والله أعلم» . وابن جريج.