الأدلة:
أدلة الرأي الأول: (يصرف في مثله والمصالح) :
أولا: الدليل على أنه يصرف في مثله:
1 - ما تقدم من الأدلة على وجوب العمل بشرط الواقف.
وجه الدلالة: أن غرض الواقف الانتفاع من العين على الدوام فيما وقفها عليه، فإذا فاض الوقف عن الحاجة صرف في مثل ما وقف عليه مراعاة لشرط الواقف وغرضه.
(242) 2 - ما رواه قال: حدثنا الطبري ابن حميد، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن: أن مكاتبا قام إلى رضي الله عنه - وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقال له: «أيها [ ص: 316 ] الأمير حث الناس علي فحث عليه أبي موسى الأشعري فألقى الناس عليه عمامة وملاءة وخاتما، حتى ألقوا سوادا كثيرا، فلما رأى أبو موسى، ما ألقي عليه، قال: اجمعوه فجمع، ثم أمر به فبيع، فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب، ولم يرده على الناس، وقال: إنما أعطى الناس في الرقاب» . أبو موسى
وجه الدلالة: أن رضي الله عنه صرف الصدقة في جنس المتصدق به والأوقاف صدقة من الصدقات، إلا أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث. أبا موسى الأشعري
ثانيا: الدليل على أنه يصرف في سائر المصالح:
1 - ما تقدم من الدليل على تغيير شرط الواقف للمصلحة.
وجه الدلالة: أن صرف فاضل الوقف في غير ما وقف فيه للمصلحة تغيير لشرط الواقف، وقد تقدم جوازه للمصلحة. [ ص: 317 ] 2 - ما ورد أن رضي الله عنها أنها قالت عائشة لشيبة الحجبي في كسوة الكعبة القديمة: «بعها واجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين» .
وجه الدلالة: أن رضي الله عنها أمرت شيبة الحجبي في صرف كسوة الكعبة في سبيل الله والمساكين، وسبيل الله يشمل كل طرق الخير والمصالح. عائشة
ونوقش: بأنه ضعيف لا يثبت.
دليل القول الثاني: (يصرف في جنس ما وقف عليه) :
ما تقدم من الدليل على أن فاضل الوقف يصرف في مثل ما وقف عليه.
أدلة القول الثالث: (يصرف في مثله، ويتصدق به) :
1 - ما تقدم من الدليل على أن فاضل الوقف يصرف في مثل ما وقف فيه.
2 - ما ورد عن عمر رضي الله عنه: «أنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج» .
وقالت عائشة رضي الله عنها لشيبة الحجبي رضي الله عنه في كسوة الكعبة القديمة: «بعها واجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين» .
ونوقش هذان الأثران من وجهين:
الأول: أنهما ضعيفان كما في تخريجهما.
[ ص: 318 ] الثاني: أنه على فرض ثبوتهما فلعلهما ما رأيا أن الأصلح في ذلك الوقت الصدقة بهما على الفقراء.
3 - أن الوقف مال الله تعالى لم يبق له مصرف، فصرف إلى المساكين، كالوقف المنقطع.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن المقيس عليه موضع خلاف بين أهل العلم.
أدلة القول الرابع: (يجب حفظ الفاضل حتى يحتاج إليه فيما وقف فيه) :
1 - ما تقدم من الدليل على أن فاضل الوقف يصرف في مثل ما وقف.
2 - أن الوقف قد يحتاج إلى عمارة، ونحو ذلك، فيبقى له رصيد، لوقت الحاجة.
أدلة القول الخامس: (يرجع إلى ملك الواقف) :
1 - أن المسجد إذا تعطلت منافعه عاد إلى ملك الواقف أو ورثته، فكذا آلاته.
2 - أن هذا الوقف قصد به واقفه قرية بعينها، فإذا انقطع عاد إلى ملكه.
ونوقش: بأنه هذا الفاضل قد زال ملك الواقف عنه، وصار خالصا لله تعالى، فلا يعود إلى ملكه بحال.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنه يصرف في مثله، [ ص: 319 ] وفي سائر المصالح، لكن صرفه في جنس الوقف أولى وأظهر ما لم تكن مصلحة أعلى; لتحقيق مقصود الواقف، وتحقيق مقصود الواقف يراعى ما أمكن ما دام مشروعا.
وإذا ظهرت مصلحة أعلى صرف; لما تقدم من الدليل على جواز تغيير شرط الواقف لظهور المصلحة الراجحة.
لكن يقيد هذا الترجيح بما إذا لم تكن حاجة الوقف للفاضل قريبة، كما لو كان يحتاج بعد فترة قريبة إلى إصلاح وترميم، ونحو ذلك من الحاجات، فإنه يظهر القول بإرصاد الفاضل من الوقف للوقف نفسه.