الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الثاني: الرجوع عن الوقف المعلق بالموت

        سيأتي حكم الوقف المعلق بالموت، وأما حكم الرجوع عن الوقف المعلق على الموت على قولين:

        القول الأول: جواز الرجوع عن الوقف المعلق بالموت ما دام الواقف حيا.

        [ ص: 47 ] وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، وكثير من الحنابلة.

        القول الثاني: أنه لا يجوز الرجوع عن الوقف المعلق بالموت، بل يلزم من حين صدوره.

        وهذا القول هو منصوص الإمام أحمد - رحمه الله - في رواية الميموني، وهو مذهب الحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - أن الوقف المعلق بالموت تبرع بعد الموت، والتبرع بعد الموت وصية، والوصية بإجماع أهل العلم لا تلزم قبل الموت، فهي عقد جائز غير لازم يجوز الرجوع فيها وفي بعضها.

        2 - قياس الوقف المعلق بالموت على التدبير فجاز الرجوع عن الوقف المعلق، كما جاز بيع المدبر عند الحاجة والدين، كما تقدم في الصحيحين.

        [ ص: 48 ] وجه الدلالة: أن الشارع أجاز الرجوع في التدبير، وهو تعليق العتق على الموت، فأجاز ذلك في العتق هو أشد نفوذا من الوقف، فالوقف من باب أولى.

        لكن قال الإمام أحمد: إن المدبر ليس فيه شيء وهو ملك الساعة، وهذا شيء وقفه على قوم مساكين فكيف يحدث به شيئا؟ .

        أدلة القول الثاني: (عدم الجواز) : استدل لهذا القول بما يلي:

        1 - عموم الأدلة الدالة على لزوم الوقف .

        قال الإمام أحمد: الوقوف إنما كانت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يبيعوا ولا يهبوا.

        2 - أن عمر رضي الله عنه أوصى، فكان في وصيته: «هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة والعبد الذي فيه، والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه ، والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا» .

        وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه منع بيعه وشراءه رغم أنه علقه بالموت، وجعله في وصيته.

        ونوقش هذا الاستدلال: أما الأدلة الدالة على لزوم الوقف فيستثنى منها [ ص: 49 ] الوقف المعلق بالموت; لأن الوقف المعلق بالموت تبرع بعد الموت، وأما وقف عمر رضي الله عنه فليس معلقا بالموت، وإنما هو وقف منجز.

        أما قوله رضي الله عنه: «إن حدث بي حدث» ، فلبيان من يلي وقفه بعده، لا ليرتب عليه الوقف، وقد سبق أن عمر نجز وقفه في السنة السابعة من الهجرة، وكتابه هذا إنما كتبه في خلافته، يدل على ذلك وصفه بأنه أمير المؤمنين.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول، والذي عليه جمهور العلماء القائل بجواز الرجوع في الوقف المعلق على الموت، ومما يدل على ضعف القول الثاني أن أصحابه فرقوا في الحكم فجعلوه وقفا من حيث اللزوم، ووصية من حيث خروجه من الثلث، ولم يجعلوه في حكم الوصايا في الرجوع فيه، وهذا تفريق بلا دليل فيلزمهم أن يجعلوه خارجا عن الثلث وهم لا يقولون به.

        ***

        التالي السابق


        الخدمات العلمية