[ ص: 43 ] المسألة الثانية: المطلق عند من قال بعدم لزوم الوقف: موانع الرجوع عن الوقف
لقد سبق أن العلماء مختلفون في عقد الوقف هل هو عقد لازم يلزم بمجرد صيغته؟ أو أنه عقد جائز يصح للواقف الرجوع عنه؟، وأن الراجح أنه يقع لازما، فلا يصح فسخه، لكن من قال بعدم لزوم عقد الوقف ذكروا موانع تمنع من الرجوع في الوقف، وهي كما يلي:
الأول: أن يحكم بالوقف حاكم، فإذا حكم به حاكم كان ذلك كافيا لمنع نسخ الوقف.
وبهذا قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن.
وعلة ذلك عندهم: أن لزوم الوقف بالقول، أو ما يقوم مقامه مختلف فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
ولكنهم يشترطون في حكم الحاكم الذي يمنع الفسخ أن يكون الحكم واردا على لزوم الوقف لا على صحته، فإن ورد على لزوم الوقف منع به الفسخ، وذلك كما لو سلم الواقف الوقف إلى الناظر، ثم طالب بعد ذلك الواقف باسترجاعه فيأبى الناظر; لكونه يرى أن الوقف قد لزم، فيرفعان الأمر إلى القاضي فيحكم القاضي بلزوم الوقف، فإن هذا الوقف لا يصح الرجوع عنه.وأما إذا كان الحكم واردا على صحة الوقف، كما لو ادعت عليه زوجته تعليق طلاقها على وقفه أرضه، فأنكر الزوج صحة الوقف; لكونه علقه بشرط مثلا - وهو يرى أن تعليق الوقف بشرط يفسده - ، فرفعا أمرهما إلى قاض فحكم بصحة الوقف، فإن هذا لا يمنع الرجوع للواقف; لأن الحكم لم يرد [ ص: 44 ] في محل النزاع الذي هو اللزوم، وإنما ورد في محل آخر، وهو صحة الوقف المعلق على شرط.
الثاني: إخراج الواقف الموقوف من يده إلى الحاكم أو الناظر، فأما إذا لم يخرجه فلا يمنع الفسخ، وبهذا المانع قال وبه قال محمد بن الحسن، في رواية إلا أن ثمة فرقا بين قول أحمد محمد وقول فأما أحمد، فيرى على هذا القول أن الإخراج كاف لمنع الفسخ، وأما محمد فيرى أن الإخراج وحده لا يكفي بل لا بد أن تضاف إليه الأمور الآتية. أحمد
وعللوا لذلك: بقياسه على الهبة، فكما أن فإن الوقف لا يلزم إلا بالقبض بجامع أن كلا منهما هبة لا عوض فيها. الهبة لا تلزم إلا بالقبض،
وقد قال المالكية أيضا: باشتراط إخراج الوقف من يد الواقف، كما تقدم، وتقدم أنه على ما تقدم تفصيله في مبحث قبض الوقف. يبطل إذا مات الواقف أو أفلس أو مرض مرض الموت قبل الحيازة
وقد استدلوا لما ذهبوا إليه: بقصة عطية أبي بكر رضي الله عنها. لعائشة
الثالث: أن يقسم الوقف قبل القبض إذا كان الوقف مشاعا بين واقفين [ ص: 45 ] إلا إذا كان الوقف لا يقبل القسمة كالحمام والرحى، فإذا لم يقسم المشاع قبل الوقف فلا يلزم.
وهذا الشرط تابع لاشتراط الإخراج السابق; لأنه من تمامه، وبه قال وهو قول للحنابلة كما جاء في الإنصاف: «ويتوجه من عدم صحة إجارة المشاع عدم صحة وقفه» . محمد بن الحسن،
ويبدو أن اشتراط الحنابلة لذلك على هذا القول هو اشتراط لصحة العقد لا لزومه، خلافا إذ هو عنده شرط للزوم. لمحمد بن الحسن;
الرابع: التأبيد، وذلك بأن يوقفه على جهة قربة لا تنقطع، فإذا وقفه على جهة تنقطع لم يلزم الوقف، وصح الرجوع فيه.
وإلى هذا الشرط ذهب أبو يوسف، عليهم رحمة الله. ومحمد بن الحسن
لكن يشترط أن يكون التأبيد لفظا في الوقف، وأما محمد بن الحسن فيشترط أن يكون التأبيد موجودا، سواء أكان ذلك لفظا أو معنى. أبو يوسف
الخامس: ألا يشترط الواقف لنفسه شيئا من منافع الوقف، فإن اشترط لنفسه شيئا من منافع الوقف لم يفت الفسخ.
وإلى اشتراط هذا الشرط ذهب من الحنفية. محمد بن الحسن