وهاهنا تنبيهات
الأول : أورد على قولهم : إن قوله تعالى : { تقدم النفي على " كل " لسلب العموم ، ولا يفيد الاستغراق إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } فينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم ينتقض النفي ، فإن انتقض فالاستغراق باق كالآية ، ويكون لعموم السلب .
ومنه : ما كل رجل إلا قائم ، وسببه أن النفي للمجهول ، وما بعد " إلا " لا تسلط للنفي عليه ، لأنه مثبت ، وهو في المفرغ مستند لما قبلها ، وهو كل فرد كما كان قبل دخول النفي والاستثناء .
الثاني : أن ، فإذا قلت : لا تضرب كل رجل أو كل الرجال ، كان النهي عن المجموع لا عن كل واحد . ولو قلت : كل الرجال لا تضرب ، كان عموما في السلب بالنسبة إلى كل فرد ، ولذلك قال الفقهاء : لو حكم النهي فيما سبق حكم النفي ، إنما يحنث بكلامهم كلهم ، فلو كلم واحدا لم يحنث ، وهذا وإن لم يكن نهيا فهو في حكمه . وقد رد بعضهم هذه القاعدة بقوله تعالى : { قال : والله لا كلمت كل رجل ولا تقتلوا أولادكم } [ ص: 92 ] { ولا تقتلوا النفس } ونظائره ، فإنه لم يزل العلماء يستدلون به على ثبوت الحكم لكل فرد ، وكذلك قال الفقهاء فيما لو ، يكون موليا من كل واحدة ، ويتعلق بوطء كل واحدة الحنث ، ولزوم الكفارة . وهذا يدل على أنه لا فرق بين تقدم النفي وتأخره . وهذا الاعتراض مبني على أن الحكم السابق لا يختص ب " كل " ، بل يتعدى إلى سائر صيغ العموم ، كقولك : لا تضرب الرجال ، وبه صرح بعضهم . قال : إلا أن يكون هناك قرينة تقتضي ثبوت النهي لكل فرد ، وجعل هذا واردا على قول الأصوليين : إن دلالة العموم كلية ، ولم يفصلوا في النفي والنهي بين تقديمها وتأخيرها ، وجعل مثل قوله تعالى : { قال : والله لا أطأ كل واحدة منكن ولا تقتلوا أولادكم } إنما ثبت العموم فيه لكل فرد بقرينة ، أو بجعل الألف واللام والإضافة في مثل ذلك لمجرد الجنس لا العموم للقرينة ونحوه . ذكره صاحب " التبيان في علم البيان " في صيغة التثنية والجمع مع " كل " فقال : إذا قلت : لا تضرب الرجلين كليهما كان النهي ليس بشامل ، ومن ثم قالوا : ولكن اضرب أحدهما ، وكذلك لا تأخذهما جميعا ، ولكن خذ واحدا منهما . لكن تقدم عن القرافي التصريح بأن هذا الفرق بين تقدم النفي وعدمه [ ص: 93 ] من خصائص " كل " والظاهر أنه لا يختص ، بل ما دل على متعدد أو مفرد ذي أجزاء كذلك ، فإذا قلت : ما رأيت رجالا ، أو ما رأيت رجلين ، أو ما أكلت رغيفا أو ما رأيت رجلا وعمرا ، كل ذلك سلب المجموع ، لا لكل واحد بخلاف ما لو تقدم السلب