[ ص: 72 ] مسألة [ الصورة النادرة ، هل تدخل تحت العموم ؟ ]
اختلفوا في ، لأنها لا تخطر بالبال غالبا ؟ وبنى عليه أصحابنا في المسابقة على الفيل ، فمن منع ذلك ادعى أنه لم يدخل تحت قوله : { الصور النادرة هل تدخل تحت العموم لصدق اللفظ عليها أو لا } . لا سبق إلا في خف أو حافر
وظاهر كلام الغزالي يقتضي ترجيح الدخول ، فإنه قال : في " البسيط " في باب الوصية : لو أوصى بعبد أو رأس من رقيقه ، جاز دفع الخنثى ، وفي وجه لا يجزئ ، لأنه نادر لا يخطر بالبال ، وهو بعيد لأن العموم يتناوله . هذا لفظه . وظاهر كلام عدم دخولها ، فإنه قال الشاذ يجيء بالنص عليه . ولا يراد على الخصوص بالصيغة العامة انتهى . وقطع به الشافعي إمام الحرمين في كتاب العموم ، فقال : إن العموم إذا ورد وقلنا باستعماله ، فإنما يتناول الغالب دون الشاذ النادر الذي لا يخطر ببال القائل ، كذا حكاه عنه في كتاب الزنى من كتابه " القبس " ، لكن حكى ابن العربي الرافعي في باب الوصية خلافا فيما إذا أوصى لعبد [ ص: 73 ] مبعض ، وبينه وبين سيده مهايأة ، ينبني على أن الأكساب النادرة : هل تدخل في المهايأة ؟ ثم قال : وتردد الإمام فيما إذا صرحا بإدراج الأكساب النادرة في المهايأة أنها تدخل لا محالة أو تكون على الخلاف ؟ وفيما إذا عمت الهبات والوصايا في قطر أنها تدخل لا محالة كالأكساب العامة ، أو هي على الخلاف ؟ لأن الغالب فيها الندور . انتهى . ويجيء مثل هذا فيما لو عم بعض النادر في قطر ، هل يدخل في العموم ؟ وقل من تعرض لذكر الخلاف في هذه المسألة . وقيل : إن حكاه ، ولم أره في كتبه . وإنما حكوا في باب التأويل الخلاف في تنزيل العام على الصورة النادرة بخصوصها ، فنقل الشيخ أبا إسحاق ابن برهان في " الأوسط " في الكلام على أن السبب لا يخصص : أن الصورة النادرة بعيدة عن البال عند إطلاق المقال ، ولا تتبادر إلى الفهم ، فإن اللفظ العام لا يجوز تنزيله عليها ، لأنا نقطع بكونها غير مقصودة لصاحب الشرع لعدم خطورها بالبال .
قال : وبنى على هذا أصحابنا كثيرا من المسائل : منها : أنهم أبطلوا حمل حديث : { أبي حنيفة } على المكاتبة ، وقالوا المكاتبة نادرة من نادر ، لأن الأصل في النساء الحرائر ، والإماء نادرة بالنسبة [ ص: 74 ] إليهن ، والمكاتبات نادرة بالنسبة إلى الإماء ، فلا يجوز تنزيل العام عليها . وذكر لا نكاح إلا بولي إلكيا الهراسي في هذه المسألة تفصيلا ، فقال : تخصيص العام بالصورة النادرة إن تقدم عهد يدل عليه لم يبعد ، مثل أن يقول : أيما رجل دخل الدار أكرمه ، ثم يقول : عنيت به من تقدم ذكرهم من خواصي وإن لم يظهر سبق عهد ، فاختلفوا فيه ، فقيل : يجوز تخصيص اللفظ به اتكالا على احتمال اللفظ القرائن . وقيل : لا يجوز إزالة الظاهر بناء على تقدير حكايات وقرائن ، فإن ذلك لا يسلم عنه حديث ; وبالجملة فيمكن أخذ الخلاف من هذه الصورة في مسألتنا ، لأن جواز التخصيص فرع شمول اللفظ . وقد استشكل بعض المتأخرين إطلاق الخلاف في هذه المسألة ، وقال : لا يتبين لي في كلام الله تعالى ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، فكيف يقال : لا يخطر بالبال ؟ وأجيب بأن المراد عدم الخطور ببال العرب في مخاطباتها ، فإذا كانت عوائدهم إطلاق العام الذي يشمل وضعا ، صورة لا تخطر عند إطلاقهم غالبا ببالهم ، فورد ذلك العام في كلام الباري تعالى ، قلنا : إنه تعالى لم يرد تلك الصورة ، لأنه أنزل كتابه على أسلوب [ العرب ] في محاوراتها وعاداتها في الخطاب . تنبيهات
الأول : قال ابن الرفعة في المطلب في باب المسابقة : كلام الإمام والغزالي يدل على أنه إنما يدخل في العام ما خطر لا للافظ به حين النطق به ، وهذا إنما يعتبر في قوله عليه السلام إذا قلنا : إن جميع ما يقوله عن وحي واجتهاد ، أما إذا قلنا : إن جميع ما يقوله عن وحي ، فلا يظهر اعتباره ، لأن موحيه عالم بجميع الجزئيات . وجوابه ما تقدم . [ ص: 75 ] الثاني : أطلقوا هذا الخلاف ، وينبغي تقييده بأمرين :
أحدهما : أن لا يدوم ، فإن دام دخل قطعا ، لأن النادر الدائم يلحق بالغالب .
ثانيهما : أن يكون فيما ظهر اندراجه في اللفظ ، ولم يساعده المعنى ، أما إذا ساعده فيحتمل القطع فيه بالدخول . ويحتمل أن يجري فيه خلاف من الخلاف في بيع الأب مال ولده من نفسه ، وبالعكس ، هل يثبت فيه خيار المجلس ، على وجهين :
أحدهما : لا فإن المعول عليه الخبر ، وهو إنما ورد في المتبايعين ، والولي قد تولى الطرفين ، وأصحهما الثبوت ، فإنه بيع محقق ، وغرض الشارع إثبات الخيار في البيع ، وإنما خصص المتبايعين بالذكر إجراء للكلام على الغالب المعتاد ، كذا وجهه الإمام في " النهاية " .