مسألة
، وإلا لما دل على جزئياته ، لأن الدال على القدر المشترك لا يدل على شيء من جزئياته ألبتة ، وليس كلا مجموعا ، وإلا لحصل الامتثال بترك قتل مسلم واحد ، إذا قيل : لا تقتلوا المسلمين ، بل مدلولها كلية ، أي محكوم فيه على كل فرد فرد مطابقة سلبا أو إيجابا عند المحققين . منهم الشيخ مدلول الصيغة العامة ليس أمرا كليا الأصفهاني ، خلافا للسهروردي والقرافي حيث أخرجاه من أقسام الدلالة .
ومنهم من قال : إنما هي كلية في غير جانب النهي والنفي عند تأخر " كل " ونحوها عن أدوات النهي أو النفي ، نحو ما جاء كل الرجال ، ولا يعرف كل الرجال ، فإنها لنفي المجموع لا الأفراد . قال القرافي : دلالة العموم على الفرد الواحد كالمشركين على زيد لا [ ص: 34 ] يمكن أن يكون بالمطابقة ، لأنه ليس تمام مسمى المشركين ، ولا بالالتزام لأنه ليس خارجا ، ولا بالتضمين ، لأنه ليس جزء المسمى ، إذ الجزء مقابل الكل ، والعموم كلي لا كل كما عرفت ، فإذن لا يدل لفظ " المشركين " على زيد ، لانتفاء الدلالات الثلاث . وإذا لم يدل بذلك بطل أن يدل لفظ العموم مطلقا ، لانحصار الدلالة في الأقسام الثلاثة . وأجاب عنه الأصفهاني برجوعه إلى المطابقة ، وقال : نحن حيث قلنا : اللفظ إما أن يدل مطابقة أو تضمنا أو التزاما ، فذلك في لفظ متردد دال على معنى ، ليس ذلك المعنى نسبة بين مفردين ، وذلك لا يتأتى هنا ، فلا ينبغي أن يطلب .
وإذا عرف هذا ، فاعلم أن قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } في قوة جمل من القضايا ، وذلك لأن مدلوله : اقتل هذا المشرك ، وهذا ، وهذا إلى آخر الأفراد ، وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها فهي لا تدل على زيد المشرك ، ولكنها تتضمن ما يدل على مثله لا بخصوص كونه زيدا بل بعموم كونه فردا ، ضرورة تضمنه : اقتل زيدا المشرك ، فإنه من جملة هذه القضايا ، وهي جزء من مجموع تلك القضايا ، فتكون دلالة هذه الصيغة على وجهين : قتل زيد المشرك ، لتضمنها ما يدل على ذلك الوجوب ، والذي هو في ضمن ذلك المجموع هو دال على ذلك مطابقة ، قال : فافهم ذلك ، فإنه دقيق الكلام .
ثم استشكل نحو قوله : { فاقتلوا المشركين } فإن فيه عمومات : أحدها : في المشركين . والثاني : في المأمور بقتلهم ، [ ص: 35 ] ودلالة العموم كلية ، فيكون أمر كل فرد بقتل كل فرد فرد من المشركين ، فيكون تكليفا بالمستحيل ، وهو غير واقع . وأجاب عنه بأنه وإن كان ظاهر اللفظ إلا أن العقل دل على خلافه ، فيحمل على الممكن دون المستحيل ; قال بعضهم : هذا السؤال لا يستحق جوابا ; لأن الفرد الواحد من المسلمين يستحيل أن يقتل جميع المشركين .