[ التنبيه ] الثالث [ ؟ ] اختلفوا أن الفصل هل هو علة لوجود الجنس ؟ فقال الفصل هل هو علة لوجود الجنس وغيره . نعم ، لاستحالة وجود جنس مجرد عن الفصول ، كالحيوانية المطلقة . وخالفهم ابن سينا الإمام الرازي ; لأن الماهية المركبة من ذات وصفة أخص [ ص: 139 ] منها ، كالحيوان الكاتب يكون الذات جنسها ، والصفة فصلها مع امتناع كون الصفة علة للذات لتأخرها عنها ، وهذا يعكر عليه أن تلك الماهية اعتبارية ، والكلام في الماهيات الحقيقية . ويتفرع على العلة أحكام : منها : أن الفصل الواحد بالنسبة إلى النوع الواحد لا يكون جنسا له باعتبار آخر ، كما ظن جماعة أن الناطق بالنسبة إلى أنواع الحيوان فصل للإنسان ، وإلى الملك جنس له ، والحيوان بالعكس ، وذلك ; لأن الفصل لو كان جنسا ، لكان معلولا للجنس المعلول له ، فيكون المعلول علة لعلته ، وهو ممتنع ، ومنها : أن الفصل لا يقارن إلا جنسا واحدا فإنه لو قارن جنسين في مرتبة واحدة حتى يلتئم من الفصل وأحد الجنسين ماهية ، ومنه ومن الآخر أخرى ; لامتناع أن يكون لماهية واحدة جنسان في مرتبة واحدة يلزم تخلف المعلول عن العلة ضرورة وجود الفصل في كل واحد من الماهيتين ، وعدم جنس ما لزمها في الأخرى .
ومنها : أن الفصل لا يقوم إلا نوعا واحدا ; لأنه قد ثبت امتناع أن يقارنه إلا جنس واحد ، ومنها : أن الفصل القريب لا يكون إلا واحدا ، فإنه لو تعدد لزم توارد علتين على معلول واحد بالذات ، وجوز بعضهم تكثير الفصول ، والحق : أن الفصل لا تجوز زيادته على واحد ; لأنه يقوم لوجود حصة النوع من الجنس ، فإن كفى الواحد في التقويم استغني عن الآخر ، وإلا لم يكن فصلا ، وحيث وجد في كلام العلماء تعدد الفصول بقولهم : فصل ثان [ ص: 140 ] وثالث ، فلا تحقيق في هذه العبارة . فإن المجموع فصل واحد ، وكل واحد مما جعلوه فصلا هو جزء الفصل ، ولما ذهب الإمام إلى بطلان قاعدة العلية جوز الفروع الثلاثة . الأول : لجواز تركيب الشيء من أمرين كل منهما أعم من الآخر من وجه كالحيوان ، والأبيض . فالماهية إذن تركبت منهما ، لكون الحيوان جنسا والأبيض فصلا لها بالنسبة إلى الحيوان الأسود وبالعكس بالنسبة إلى الجماد الأبيض . فيكون كل منهما جنسا وفصلا ، وهو الحكم الأول . وفصلا يقارن جنسين له من الحيوان والجماد والأسود والأبيض . وهو الحكم الثاني المستلزم للثالث . وقال ابن واصل : ذهب الإمام إلى أن الفصل الواحد بالنسبة إلى نوع واحد قد يكون جنسا له ، ويجوز اقترانه بجنسين ، فيكون مقوما لنوعين ، وذلك في الماهية المركبة من قيدين كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه ، كالحيوان الأبيض ، فإن الحيوان يصدق على الأبيض وغيره ، والأبيض يصدق على الحيوان وغيره . فإن جعلت الحيوان جنسا لهذه الماهية كان الأبيض فصلا لها . وإن جعلت الأبيض جنسا لها كان الحيوان فصلا . قال ابن واصل : والذي نقوله : إنا نمنع أن ماهيته في نفس الأمر تتألف عن هذين المفهومين وإنما يتألف عنهما ماهية اعتبارية . وكلامنا إنما هو في الماهيات الموجودة في الخارج الحقيقية ، ولا نسلم أن شيئا منها يتركب مما هذا شأنه .