: وهي جواب للنفي سواء كان النفي عاريا من حروف الاستفهام نحو بلى لمن قال : ما قام زيد ، ومنه قوله تعالى : { بلى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } فجاء الرد عليهم بإيجاب النار لمن مات كافرا فقال : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } الآية أو مقرونة به كقوله تعالى : { ألست بربكم ؟ قالوا بلى } ; لأنهم أرادوا أنه ربهم فردوا النفي الذي بعد ألف الاستفهام ، وإذا ردوا نفي الشيء ثبت إيجابه .
وقال ابن عطية : حق " بلى " أن تجيء بعد نفي غلبة تقرير ، وهذا القيد الذي ذكره من كون النفي غلبة تقرير لم يذكره غيره بل الكل أطلقوا بأنها جواب النفي . وقال الشيخ أبو حيان : إنها حقها أن تدخل على النفي ثم حمل التقرير على النفي ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب ، وأجابه ب نعم ، ووقع ذلك [ ص: 208 ] في كلام نفسه أجاب التقرير ب نعم اتباعا لبعض سيبويه العرب ، وأنكره عليه ابن الطراوة . وقال : ربما ناقضتها " نعم " واستشكل بأنه يقتضي أنها تناقضها قليلا بل هي مناقضة لها دائما ; لأن " نعم " تصديق لما قبلها وبلى رد له ، ولهذا قيل عن الجوهري : إنهم لو قالوا : نعم كفروا . وحكاه ابن عباس إمام الحرمين عن فأنكره عليه سيبويه ، وإنما قال : دخول " نعم " هنا لا وجه له ، ويمكن أن يريد ابن خروف بذلك أنه قد يقول القائل في جواب من قال : أقام زيد أم لم يقم زيد ؟ نعم ، ويكون معناه أنه قام زيد ويريد أنه في هذا الوجه تكون " نعم " مناقضة " ل بلى " وكلام الجوهري ابن عطية يقتضي جواز وقوع نعم في الآية الكريمة ، فإنه قال في سورة الأنعام : و " بلى " هي التي تقتضي الإقرار بما استفهم عنه منفيا ، ولا تقتضي نفيه وجحده ، ونعم تصلح للإقرار به كما ورد ذلك في قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عاتبهم في غزوة حنين ، وتصلح أيضا لجحده فلذلك لا تستعمل .
وأما قول وغيره : إنها إنما تقتضي جحده وأنهم لو قالوا به عند قوله تعالى : { الزجاج ألست بربكم } لكفروا فقوله خطأ ، والله المستعان . انتهى . وقال الشلوبين : لا يمتنع في الآية أن يقولون : نعم لا على جواب الاستفهام ولكن ; لأن الاستفهام في قوله : { ألست بربكم } تقرير ، والتقرير [ ص: 209 ] خبر منجز فجاز أن يأتي بعده " نعم " كما يأتي بعد الخبر الموجب وتكون " نعم " ليست جوابا على جواب التصديق ، وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما قاله المفسرون ; لأنهما لم يتواردا على محل واحد ، فإن الذي منعوه إنما هو على أنه جواب ، وإذا كانت جوابا فإنما يكون تصديقا لما بعد ألف الاستفهام . والذي جوزه إنما هو على التصديق لا الجواب كما في قولك : نعم لمن قال : قام زيد . قال بعضهم : وصارت الأجوبة ثلاثة " نعم " تصديق للكلم السابق من الإثبات ، و " لا " لرد الإثبات و " بلى " لرد النفي ، ولا يجاب بعد النفي ، بنعم ; لأنه تقرير على ضده فإن وردت بعد نفي فليست جوابا ولكنها تصديق للفظه الذي جاء على النفي .