[ ص: 201 ] فالمزيدة كقوله تعالى : { لا : تأتي مزيدة وغير مزيدة ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } { لئلا يعلم أهل الكتاب } . وشرط إمام الحرمين في البرهان في زيادتها قصد تأكيد معنى النفي الذي انطوى عليه سياق الكلام ، كما في قوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد } بدليل حذفها في الآية الأخرى . يعني أنها توكيد للنفي المعنوي الذي تضمنه " منعك " ، ولهذا قال بعضهم : تزاد في الكلام الموجب المعنى إذا توجه عليه فعل منفي في المعنى . قال المازري : ويطالب بإبراز مثل هذا المعنى في قوله " لئلا يعلم " . قال : وله أن يقول : استقر الكلام أيضا بمعنى النفي ; لأنه إذا كان القصد إكرام المؤمن ليعلم الكفار هوانهم ، فهم الآن غير عالمين بهوانهم ، فقد تضمن سياق الخطاب الإشعار بانتفاء العلم عنهم . وحرف " لا " للنفي قلت : أما الأولى في { لئلا يعلم } فزائدة بالاتفاق ، ونص عليها في كتابه ويدل لها قراءة سيبويه ابن عباس وعاصم الجحدري " ليعلم أهل الكتاب " وقرأ " لأن يعلم سعيد بن جبير أهل الكتاب " وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها . وأما " لا " الثانية في قوله : { أن لا يقدرون } فكذلك زيدت توكيدا للنفي الموجود بما توجه عليه العلم . وغير المزيدة إما ناهية في عوامل الأفعال الجازمة وإما نافية .
[ ص: 202 ] قال صاحب البرهان : وإنما تستعمل في المظنون حصوله بخلاف " لن " فإنها تستعمل في المشكوك حصوله ، ومن ثم كان النفي ب لن آكد . قال ابن مالك ، " لا " لتأكيد النفي " كإن " لتأكيد الإثبات ، وجعل ذلك عمدته في إعمال " لا " عمل " إن " وأنهم يحملون النقيض على النقيض ، وقد استنكر ذلك منه ، من جهة أن " إن " داخلة على الإثبات فأكدته ، و " لا " لم تدخل على نفي . وجوابه : أن مراده أنها لنفي مؤكد ، أو بمعنى أنها ترجح ظرف النفي المحتمل في أصل القضية رجحانا " قويا " أكثر من ترجيح " ما " ويدل عليه بناء الاسم معها ليفيد نسبة العموم .
وهي إما تتناول الأفعال وتكون عاطفة ، وفيها معنى النفي ، نحو قام زيد لا عمرو ، فلا تعمل في لفظها شيئا ، ومنه قوله تعالى { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } { لا تأخذه سنة ولا نوم } فأما قوله { فلا صدق ولا صلى } فقالوا : المعنى لم يصدق ولم يصل ، وإما أن تتناول الأسماء ، فإما أن تلي المعارف أو النكرات ، فالتي تلي النكرات إن أريد بنفيها نفي الجنس بنيت مع اسمها ، وإن أريد نفي الوحدة فهي العاملة عمل ليس ، وبهذا تقول : لا رجل فيها بل رجلان . والتي تلي المعارف لا تعمل فيها شيئا ويلزمها التكرار ، نحو لا زيد فيها ولا عمرو . وقال ابن الخشاب : وهي عكس " بل " ; لأن " بل " أضربت بها عن الأول إلى الثاني فثبت المعنى الذي كان للأول للثاني ، و " لا " بدلت [ ص: 203 ] معها بإثبات المعنى للأول فانتفى بها عن الثاني ، ولهذا لم يعطف بها بعد النفي فتقول : ما جاءني زيد لا عمرو ; لأنك لم تثبت للأول شيئا فتنفيه بها عن الثاني .