[ ص: 50 ] مسألة [ عن
ابن داود إنكار وقوع المجاز ] حكى
الإمام الرازي عن
ابن داود إنكار
nindex.php?page=treesubj&link=27840_21016وقوعه في الحديث أيضا واستنكره
الأصفهاني ، وقال : تفرد به .
قلت : هو لازم من إنكاره في اللغة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم :
nindex.php?page=treesubj&link=27840_21016لا يجوز استعمال مجاز إلا بعد وروده في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . والحاصل : خمسة مذاهب : المنع مطلقا . المنع في القرآن وحده . المنع في القرآن والحديث دون ما عداهما . الوقوع مطلقا . والخامس التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم وسيأتي . والدليل على وقوعه في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62376لا تبيعوا الصاع بالصاعين } وأراد بالصاع ما فيه بإطلاق اسم المحل على الحال ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7028أنت ومالك لأبيك } وقوله : وقد ركب فرس
nindex.php?page=showalam&ids=86أبي طلحة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62377إن وجدناه لبحرا } وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب أفعال العباد : أما بيان المجاز من
[ ص: 51 ] التحقيق مثل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62378قول النبي صلى الله عليه وسلم للفرس : وجدته بحرا } . والذي يجوز فيما بين الناس والحقيقة أن مشيه حسن ، كقولك : علم الله معنا وفينا . وقد صنف
الشريف الرضي مجلدا في مجازات الآثار كما صنف
الشيخ عز الدين في مجاز القرآن .
تنبيهان الأول كذا فرضوا الخلاف في الوقوع وهو مقتضى الجزم بالجواز ، لكن قال
القاضي ابن كج في " كتابه " : وقال قوم : لا يجوز أن يخاطبنا الله تعالى بالمجاز ، وأنه يكون كذبا ، وتمحلوا للمجازات في القرآن حقائق بوجه تعبد ، ثم قال : والجواب عما قالوه : إنه كذب ، أنهم إما أن يريدوا به في الجملة أو في موضوع اللغة ، والثاني باطل للاستقراء بوجوده ، والأول باطل بالعموم ; لأنه قد خاطبنا به ، وهو يريد الخصوص فيه .
الثاني مرادنا بوقوعه في القرآن على نحو أساليب
العرب المستعذبة ، لا المجاز البعيد المستكره . وقد توسع فيه قوم فضلوا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14703الطرطوشي : من هذا الأصل العظيم أعني المجاز في القرآن ضل أكثر أهل الأهواء والضلالات في تأويل أكثر الآيات ، قال : وكذلك من جهة وجود المجاز في التوراة والإنجيل والزبور غلطت
اليهود والنصارى في تأويل كثير منه .
[ ص: 52 ] وقد قال بعض علمائنا : إن
القدرية قد ركبوا هذا فحملوا آيات كثيرة من القرآن هي حقائق على المجازات ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } قالوا : ليس فيه دليل على كونه حقيقة ، وإنما هو إخبار عن سرعة إيجاده لأفعاله ، وقالوا في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قالتا أتينا طائعين } إن هذا مجاز نحو امتلأ الحوض ، وقال : قطني ، وأنكروا أيضا قول جهنم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=30هل من مزيد } وقوله تعالى فيها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تدعوا من أدبر وتولى } وزعموا أن معناه مصير من أدبر وتولى إليها ، وهذه تأويلات استنبطوها على قواعدهم الفاسدة ، وليس في وجود المجاز في القرآن والسنة ما يوجب تأويل الحقائق على المجاز . وقول السماوات والأرض عند علمائنا حقيقة ، وإنما اختلفوا في صفة الحقيقة فقال
الأشعري : الحياة شرط في النطق يخلق الله فيها الحياة في وقت نطقها ، ف {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قالتا أتينا طائعين } .
والقلانسي من أصحابنا لم يشترط الحياة في الكلام وأجاز وجود الكلام في الجمادات بأن يخلق فيها الكلام وغير ذلك . وقال صاحب " المصادر " يشترط أن يكون في الخطاب بالمجاز وجه زائد على ما ثبت بالحقيقة خلافا لمن قال : يجوز أن يتساوى الحقيقة
[ ص: 53 ] والمجاز من جميع الوجوه عند الحكيم ، ثم يعدل عن الحقيقة ; لأن المخاطب بالمجاز عادل عن الحقيقة الموضوعة ، ويقصد إلى ما لم يوضع له ، وذلك لا يفعله الحكيم إلا لغرض زائد . ومن فوائده التعريض بزيادة الثواب ; لأنه يستدعي فكرا ونظرا كما يقول في الخطاب بالمتشابه ، ومنها كون الكلام أدخل في الفصاحة وأبلغ وأوجز .
[ ص: 50 ] مَسْأَلَةٌ [ عَنْ
ابْنِ دَاوُد إنْكَارُ وُقُوعِ الْمَجَازِ ] حَكَى
الْإِمَامُ الرَّازِيَّ عَنْ
ابْنِ دَاوُد إنْكَارَ
nindex.php?page=treesubj&link=27840_21016وُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا وَاسْتَنْكَرَهُ
الْأَصْفَهَانِيُّ ، وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ .
قُلْت : هُوَ لَازِمٌ مِنْ إنْكَارِهِ فِي اللُّغَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=27840_21016لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا بَعْدَ وُرُودِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحَاصِلُ : خَمْسَةُ مَذَاهِبَ : الْمَنْعُ مُطْلَقًا . الْمَنْعُ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ . الْمَنْعُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا . الْوُقُوعُ مُطْلَقًا . وَالْخَامِسُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنِ حَزْمٍ وَسَيَأْتِي . وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62376لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ } وَأَرَادَ بِالصَّاعِ مَا فِيهِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7028أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَقَوْلُهُ : وَقَدْ رَكِبَ فَرَسَ
nindex.php?page=showalam&ids=86أَبِي طَلْحَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62377إنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا } وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ : أَمَّا بَيَانُ الْمَجَازِ مِنْ
[ ص: 51 ] التَّحْقِيقِ مِثْلَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62378قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَرَسِ : وَجَدْتُهُ بَحْرًا } . وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَقِيقَةِ أَنَّ مَشْيَهُ حَسَنٌ ، كَقَوْلِك : عِلْمُ اللَّهِ مَعَنَا وَفِينَا . وَقَدْ صَنَّفَ
الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ مُجَلَّدًا فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ كَمَا صَنَّفَ
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَجَازِ الْقُرْآنِ .
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ كَذَا فَرَضُوا الْخِلَافَ فِي الْوُقُوعِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ ، لَكِنْ قَالَ
الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي " كِتَابِهِ " : وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجَازِ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا ، وَتَمَحَّلُوا لِلْمَجَازَاتِ فِي الْقُرْآنِ حَقَائِقَ بِوَجْهِ تَعَبُّدٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ : إنَّهُ كَذِبٌ ، أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِلِاسْتِقْرَاءِ بِوُجُودِهِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالْعُمُومِ ; لِأَنَّهُ قَدْ خَاطَبَنَا بِهِ ، وَهُوَ يُرِيدُ الْخُصُوصَ فِيهِ .
الثَّانِي مُرَادُنَا بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى نَحْوِ أَسَالِيبِ
الْعَرَبِ الْمُسْتَعْذَبَةِ ، لَا الْمَجَازِ الْبَعِيدِ الْمُسْتَكْرَهِ . وَقَدْ تَوَسَّعَ فِيهِ قَوْمٌ فَضَلُّوا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14703الطُّرْطُوشِيُّ : مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ أَعْنِي الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ ضَلَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ فِي تَأْوِيلِ أَكْثَرِ الْآيَاتِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ الْمَجَازِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ غَلِطَتْ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي تَأْوِيلِ كَثِيرٍ مِنْهُ .
[ ص: 52 ] وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : إنَّ
الْقَدَرِيَّةَ قَدْ رَكِبُوا هَذَا فَحَمَلُوا آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ حَقَائِقُ عَلَى الْمَجَازَاتِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } قَالُوا : لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ سُرْعَةِ إيجَادِهِ لِأَفْعَالِهِ ، وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } إنَّ هَذَا مَجَازٌ نَحْوَ امْتَلَأَ الْحَوْضُ ، وَقَالَ : قُطْنِيٌّ ، وَأَنْكَرُوا أَيْضًا قَوْلَ جَهَنَّمَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=30هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } وقَوْله تَعَالَى فِيهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=17تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى } وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ مَصِيرُ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إلَيْهَا ، وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ اسْتَنْبَطُوهَا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ ، وَلَيْسَ فِي وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ تَأْوِيلَ الْحَقَائِقِ عَلَى الْمَجَازِ . وَقَوْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا حَقِيقَةٌ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْحَقِيقَةِ فَقَالَ
الْأَشْعَرِيُّ : الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي النُّطْقِ يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا الْحَيَاةَ فِي وَقْتِ نُطْقِهَا ، فَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } .
وَالْقَلَانِسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْحَيَاةَ فِي الْكَلَامِ وَأَجَازَ وُجُودَ الْكَلَامِ فِي الْجَمَادَاتِ بِأَنْ يُخْلَقَ فِيهَا الْكَلَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ . وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْخِطَابِ بِالْمَجَازِ وَجْهٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ
[ ص: 53 ] وَالْمَجَازِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْحَكِيمِ ، ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْمَجَازِ عَادِلٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعَةِ ، وَيَقْصِدُ إلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ الْحَكِيمُ إلَّا لِغَرَضٍ زَائِدٍ . وَمِنْ فَوَائِدِهِ التَّعْرِيضُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فِكْرًا وَنَظَرًا كَمَا يَقُولُ فِي الْخِطَابِ بِالْمُتَشَابِهِ ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْكَلَامِ أَدْخَلَ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَبْلَغَ وَأَوْجَزَ .