[ ] والفعل ينقسم إلى ماض وأمر ومضارع . فأما المضارع : فلم يستعمل في الشرع في شيء أصلا إلا في لفظة " أشهد " في الشهادة ، فإنها تعينت ولم يقم غيرها مقامها ، وكذلك في اللعان سواء قلنا : إنه يمين أو شهادة ، أو فيه شائبة من أحدهما ، ويجوز في اليمين : أقسم بالله وأشهد ، ولا يتعين . وأما أقسام الفعل . الماضي : فيعمل به في الإنشاءات كالعقود والطلاق
وأما على الصحيح . الثالث : صيغ العقود كبعت وطلقت لا شك في كونها وضعت في اللغة للإخبار عن أمر ماض ، وأما في الشرع فقد يستعمل كذلك كما إذا صدر عن إنسان بيع أو طلاق أو غيرهما ، ثم قال : بعت أو طلقت ومراده [ ص: 39 ] الإخبار عما نص . وقد يستعمل لاستحداث أحكام لم تكن قبل ، فهل هي إخبارات والحالة هذه باقية على الأوضاع اللغوية ، أو إنشاءات بمعنى أن الشارع نقلها إلى الإنشاءات المخصوصة ؟ فيه قولان . والأكثرون منهم فعل الأمر : فهي مسألة الإيجاب والاستيجاب في العقود والطلاق ، فكذا يعمل به في كل موضع يعمل بالماضي الرازي وأتباعه على الثاني ونسب الأول للحنفية ، وأنكره القاضي شمس الدين السروجي في " الغاية " ، وقال : المعروف عند أصحابنا أنها إنشاءات .
قلت : وما قاله صاحب " البديع " : إنه الحق حينئذ ، فلا خلاف بين الفريقين ، ولهذا أجمعوا على ثبوت أحكامها عند التلفظ بها ، وإنما اختلفوا هل يثبت مع آخر حرف من حروفها أو عقبه ، ونسب الأصفهاني في " شرح المحصول " القول بأنها إخبارات لاختبار أئمة النظر من الخلافيين . قالوا : وهو تفريع على القول بالنقل الشرعي إما مطلقا كقول المعتزلة أو إلى مجازاتها اللغوية ، ولا يتأتى على رأي القاضي ، وتحرير القول بالإخبار : أن معنى قولك : بعت ، الإخبار عما في قلبك ، فإن أصل البيع هو التراضي ، ووضعت لفظة بعت للدلالة على الرضى ، فكأنه أخبر بها عما في ضميره بتقدير وجودها قبيل اللفظ للضرورة ، وغاية ذلك أن يكون مجازا ، وهو أولى من النقل . والقائلون بأنها إنشاء قالوا : ليس معناه أنها نقلت عن معنى الإخبار بالكلية ، ووضعت لإيقاع هذه الأمور ، بل معناه أنها صيغ يتوقف صحة مدلولاتها اللغوية على ثبوت هذه الأمور من جهة المتكلم ، فاعتبر الشرع [ ص: 40 ] إيقاعها من جهته بطريق الاقتضاء تصحيحا لهذه الأمور من حيث إنها لم تكن تابعة ، ولهذا كان جعله إنشاء للضرورة حتى لو أمكن العمل بكونه إخبارا لم يجعل إنشاء بأن يقول للمطلقة والمنكوحة : إحداكما طالق ، لا يقع الطلاق إذا قال : قصدت الأجنبية .
تنبيه كذا فرضوا الخلاف في العقود ، ويلتحق به الحلول كفسخت وطلقت ، فالطلاق إنشاء لا يقوم الإقرار مقامه ، ولكن يؤاخذ ظاهرا بما أقر به ، وبعضهم يجعل الإقرار بالطلاق على صيغته حتى ينفذ ظاهرا وباطنا ، وحكي وجه : أنه يصير إنشاء حتى ينفذ باطنا . قال إمام الحرمين : وهو متلبس فإن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، فذلك إخبار عن ماض ، وهذا إحداث في المستقبل ، وذلك يدخله الصدق والكذب ، وهذا بخلافه .