[ ص: 16 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=20645_1343_20649الصحة في العبادات فاختلف فيها فقال الفقهاء : هي وقوع الفعل كافيا في سقوط القضاء ، كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها ، فكونها لا يجب قضاؤها هو صحتها .
وقال
المتكلمون : هي موافقة أمر الشارع في ظن المكلف لا في نفس الأمر ، وبه قطع
القاضي والإمام في التلخيص " فكل من أمر بعبادة توافق الأمر بفعلها كان قد أتى بها صحيحة وإن اختل شرط من شروطها أو وجد مانع ، وهذا أعم من قول الفقهاء ، لأن كل صحة هي موافقة للأمر ، وليس كل موافقة الأمر صحة عندهم . واصطلاح الفقهاء أنسب ، فإن الآنية متى كانت صحيحة من جميع الجوانب إلا من جانب واحد فهي مكسورة لغة ولا تكون صحيحة حيث يتطرق إليها الخلل من جهة من الجهات ، وهذه الصلاة يتطرق إليها الخلل من جهة ذكر الحدث ، فلا تكون صحيحة بل المستجمع لشروطه في نفس الأمر هو الصحيح . وبنوا على الخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=20649_1343صلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين حدثه فإنها صحيحة عند
المتكلمين دون الفقهاء .
قال
ابن دقيق العيد : وفي هذا البناء نظر ، لأن هذه الصلاة إنما وافقت الأمر بالعمل بمقتضى الظن الذي تبين فساده ، وليست موافقة الأمر الأصلي الذي توجه التكليف به ابتداء ، فعلى هذا نستفسر ، ونقول : إن أردتم
[ ص: 17 ] بالصحيح ما وافق أمرا ما فهذا الفعل صحيح بهذا الاعتبار ، لكنه لا يقتضي أن يكون صحيحا مطلقا لعدم موافقته الأمر الأصلي ، وإن أردتم ما وافق الأمر الأصلي فهذه غير موافقة فلا تكون صحيحة . تنبيهات التنبيه الأول
ما حكيناه عن الفقهاء من أن الصحة إسقاط القضاء تبعنا فيه الأصوليين لكن كلام الأصحاب مصرح بخلافه ، فإنهم قالوا : في باب صلاة الجماعة في الكلام على شروط الإمامة : وإن كان صلاته صحيحة فإما أن تكون مغنية عن القضاء أو لا إلخ ، فجعلوا الصحيح ينقسم إلى ما يغني وإلى ما لا يغني ، ولم يجعلوه ما لا يغني عن القضاء .
وحكوا وجهين في
nindex.php?page=treesubj&link=20649_1344صلاة فاقد الطهورين هل توصف بالصحة ؟ والصحيح : نعم واستبعد
إمام الحرمين مقابله ، وتابعه
النووي مع أنه يجب القضاء على الجديد .
قالوا : ويجري الخلاف في كل صلاة يجب قضاؤها . وفائدة الخلاف في الأيمان وفي جواز الخروج منها ، ولهذا يقولون : من صحت صلاته في نفسه صحة مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به ، وهذا كله تصريح بأن الصحة تجامع القضاء .
[ ص: 18 ] التنبيه الثاني
زعم
الغزالي في المستصفى " وتابعه
القرافي أن النزاع لفظي . وهو أنه هل تسمى هذه صحيحة أم لا ؟ قال
القرافي : لاتفاقهم على ، سائر أحكامها .
فقالوا : المصلي موافق لأمر الله سبحانه وتعالى مثاب على صلاته وأنه يجب عليه القضاء إذا علم الحدث ، فلم يبق النزاع إلا في التسمية .
قلت : ونفي الخلاف في القضاء مردود ، فالخلاف ثابت ، وممن حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في مختصره " في مسألة : الإجزاء الامتثال ، وكأن
المتكلمين يقولون : إنها صحيحة ، لأنه وافق الأمر المتوجه عليه في الحال ، وهي مسقطة للقضاء لو لم يرد نص بالقضاء وإنما وجب بأمر جديد كما حكاه في المستصفى " عنهم ، ووصفهم إياها بالصحة صريح في ذلك ، فإن الصحة هي الغاية من العبادة وعندنا قول مثله فيما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_1357_1336_1345صلى بنجس لم يعلمه أو مكشوف العورة ساهيا إنها صحيحة ولا قضاء نظرا لموافقة الأمر حال التلبس .
وعكس هذه المسألة من
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_1713صلى خلف الخنثى المشكل ثم تبين أنه رجل
، وفرعنا على القول المرجوح أنه لا يجب القضاء فإنها على اصطلاح الفقهاء صحيحة لإسقاط القضاء ، وعند
المتكلمين باطلة ، لأنها ليست موافقة لأمر الشارع .
وذكر
الأصفهاني في شرح المحصول " أن ما يتخرج على هذا الخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=1647_20649_1344صلاة من لم يجد ماء ولا ترابا إذا صلى على حسب حاله ، وقلنا بالراجح : إنه يجب عليه الإعادة قال : فتلك الصلاة صحيحة عند
المتكلمين فاسدة عند الفقهاء .
[ ص: 19 ] قلت : فيه وجهان نقلهما
إمام الحرمين والمتولي وبنى عليهما ما لو حلف لا يصلي فصلى كذلك ، وقد سبق .
وفي كلام
الأصفهاني نظر ، إذ كيف يؤمر بعبادة هي فاسدة ؟ وبنى
ابن الرفعة في المطلب " على الخلاف في تفسير الصحة مسألة : لو
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_25612تحير المجتهد في الأواني فلم يغلب على ظنه شيء ، فتيمم ، ثم إن كان قبل الصب وجب القضاء ، أو بعده فلا .
وحكى
الماوردي خلافا في وجوب الصب ، ونسب الجمهور عدم الوجوب .
قال
ابن الرفعة : والخلاف يلتفت على أن الصحة ما هي ؟ فإن قلنا : موافقة الأمر لم يلزم الإراقة ، لأن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا غير واجد له ، إذ الوجود ما يقدر على استعماله ، وإن قلنا : هي ما أسقط القضاء وجب عليه الصب ، لأنه مأمور بالإتيان بالصلاة صحيحة إذا قدر عليها ، وهو قادر هاهنا . ا هـ .
وهذا يعطي أن الخلاف في تفسير الصحة ثابت عند الفقهاء أيضا وقال
الآمدي : ولا بأس بتفسير الصحة في العبادات بما ذكروه في المعاملات من ترتب أحكامها المقصودة منها يعني لأمر مقصود العبادة إقامة رسم التعبد ، وبراءة ذمة العبد منها .
فإذا أفادت ذلك كان هو معنى قولنا : إنها كافية في سقوط التعبد ، فتكون صحيحة .
[ ص: 20 ] التنبيه الثالث
قال
أبو العباس بن تيمية : لم يرد في لفظ الكتاب والسنة الصحة والفساد ، بل الحق والباطل ، وإنما الصحة اصطلاح الفقهاء .
قلت : وورد لفظ الإجزاء كثيرا ، وهو قريب من الصحة ثم إن الجمهور لم يسمحوا بإطلاق الفاسد ، وإنما قالوا : هي صلاة صحيحة أو شبيهة بها ، كإمساك رمضان .
وقال
إمام الحرمين في التلخيص " : إنما صار الفقهاء إلى هذا في أصل ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=20649_24348الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة عندهم ، وهي واقعة على خلاف مقتضى الشريعة ، فدل على أن الصحيح : ما لا يجب قضاؤه ، وإن لم يوافق مقتضى الشرع .
وذكر غيره التفات الخلاف على أصل وهو أن القضاء هل يجب بالأمر الأول أو لا بد من أمر جديد ؟
والثاني : قول الفقهاء حكاه عنهم في المنخول " .
[ ص: 16 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=20645_1343_20649الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ الْفُقَهَاءُ : هِيَ وُقُوعُ الْفِعْلِ كَافِيًا فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ ، كَالصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ بِجَمِيعِ وَاجِبَاتِهَا مَعَ انْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا ، فَكَوْنُهَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا هُوَ صِحَّتُهَا .
وَقَالَ
الْمُتَكَلِّمُونَ : هِيَ مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَبِهِ قَطَعَ
الْقَاضِي وَالْإِمَامُ فِي التَّلْخِيصِ " فَكُلُّ مَنْ أُمِرَ بِعِبَادَةٍ تُوَافِقُ الْأَمْرَ بِفِعْلِهَا كَانَ قَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا أَوْ وُجِدَ مَانِعٌ ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ ، لِأَنَّ كُلَّ صِحَّةٍ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَمْرِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ صِحَّةً عِنْدَهُمْ . وَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ أَنْسَبُ ، فَإِنَّ الْآنِيَةَ مَتَى كَانَتْ صَحِيحَةً مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مَكْسُورَةٌ لُغَةً وَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً حَيْثُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْخَلَلُ مِنْ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ الْحَدَثِ ، فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً بَلْ الْمُسْتَجْمِعُ لِشُرُوطِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ الصَّحِيحُ . وَبَنَوْا عَلَى الْخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=20649_1343صَلَاةَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ
الْمُتَكَلِّمِينَ دُونَ الْفُقَهَاءِ .
قَالَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَفِي هَذَا الْبِنَاءِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَافَقَتْ الْأَمْرَ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ الَّذِي تَبَيَّنَ فَسَادُهُ ، وَلَيْسَتْ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ بِهِ ابْتِدَاءً ، فَعَلَى هَذَا نَسْتَفْسِرُ ، وَنَقُولُ : إنْ أَرَدْتُمْ
[ ص: 17 ] بِالصَّحِيحِ مَا وَافَقَ أَمْرًا مَا فَهَذَا الْفِعْلُ صَحِيحٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، لَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُطْلَقًا لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ الْأَمْرَ الْأَصْلِيَّ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ مَا وَافَقَ الْأَمْرَ الْأَصْلِيَّ فَهَذِهِ غَيْرُ مُوَافَقَةٍ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً . تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ
مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ تَبِعْنَا فِيهِ الْأُصُولِيِّينَ لَكِنْ كَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامَةِ : وَإِنْ كَانَ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا إلَخْ ، فَجَعَلُوا الصَّحِيحَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُغْنِي وَإِلَى مَا لَا يُغْنِي ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مَا لَا يُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ .
وَحَكَوْا وَجْهَيْنِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20649_1344صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ هَلْ تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ ؟ وَالصَّحِيحُ : نَعَمْ وَاسْتَبْعَدَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُقَابِلَهُ ، وَتَابَعَهُ
النَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْجَدِيدِ .
قَالُوا : وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يَجِبُ قَضَاؤُهَا . وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَيْمَانِ وَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهَا ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ : مَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ صِحَّةً مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الصِّحَّةَ تُجَامِعُ الْقَضَاءَ .
[ ص: 18 ] التَّنْبِيهُ الثَّانِي
زَعَمَ
الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " وَتَابَعَهُ
الْقَرَافِيُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ . وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تُسَمَّى هَذِهِ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا ؟ قَالَ
الْقَرَافِيُّ : لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ، سَائِرِ أَحْكَامِهَا .
فَقَالُوا : الْمُصَلِّي مُوَافِقٌ لِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُثَابٌ عَلَى صَلَاتِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا عَلِمَ الْحَدَثَ ، فَلَمْ يَبْقَ النِّزَاعُ إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ .
قُلْت : وَنَفْيُ الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ ، فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ ، وَمِمَّنْ حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ " فِي مَسْأَلَةِ : الْإِجْزَاءُ الِامْتِثَالُ ، وَكَأَنَّ
الْمُتَكَلِّمِينَ يَقُولُونَ : إنَّهَا صَحِيحَةٌ ، لِأَنَّهُ وَافَقَ الْأَمْرَ الْمُتَوَجِّهَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ، وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ لَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَصْفَى " عَنْهُمْ ، وَوَصْفُهُمْ إيَّاهَا بِالصِّحَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ الصِّحَّةَ هِيَ الْغَايَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَعِنْدَنَا قَوْلٌ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_1357_1336_1345صَلَّى بِنَجَسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ سَاهِيًا إنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَا قَضَاءَ نَظَرًا لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ حَالَ التَّلَبُّسِ .
وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_1713صَلَّى خَلْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ
، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَإِنَّهَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ صَحِيحَةٌ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ ، وَعِنْدَ
الْمُتَكَلِّمِينَ بَاطِلَةٌ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُوَافَقَةً لِأَمْرِ الشَّارِعِ .
وَذَكَرَ
الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ " أَنَّ مَا يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=1647_20649_1344صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا إذَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ : إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ قَالَ : فَتِلْكَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ
الْمُتَكَلِّمِينَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ .
[ ص: 19 ] قُلْت : فِيهِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَبَنَى عَلَيْهِمَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى كَذَلِكَ ، وَقَدْ سَبَقَ .
وَفِي كَلَامِ
الْأَصْفَهَانِيِّ نَظَرٌ ، إذْ كَيْفَ يُؤْمَرُ بِعِبَادَةٍ هِيَ فَاسِدَةٌ ؟ وَبَنَى
ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ " عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الصِّحَّةِ مَسْأَلَةً : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=1418_20649_25612تَحَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَوَانِي فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ ، فَتَيَمَّمَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الصَّبِّ وَجَبَ الْقَضَاءُ ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا .
وَحَكَى
الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا فِي وُجُوبِ الصَّبِّ ، وَنَسَبَ الْجُمْهُورُ عَدَمَ الْوُجُوبِ .
قَالَ
ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالْخِلَافُ يُلْتَفَتُ عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مَا هِيَ ؟ فَإِنْ قُلْنَا : مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِرَاقَةُ ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ ، إذْ الْوُجُودُ مَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا : هِيَ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّبُّ ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ صَحِيحَةً إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ قَادِرٌ هَاهُنَا . ا هـ .
وَهَذَا يُعْطِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَفْسِيرِ الصِّحَّةِ ثَابِتٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا وَقَالَ
الْآمِدِيُّ : وَلَا بَأْسَ بِتَفْسِيرِ الصِّحَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ تَرَتُّبِ أَحْكَامِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا يَعْنِي لِأَمْرٍ مَقْصُودِ الْعِبَادَةِ إقَامَةُ رَسْمِ التَّعَبُّدِ ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ مِنْهَا .
فَإِذَا أَفَادَتْ ذَلِكَ كَانَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا : إنَّهَا كَافِيَةٌ فِي سُقُوطِ التَّعَبُّدِ ، فَتَكُونُ صَحِيحَةً .
[ ص: 20 ] التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ : لَمْ يَرِدْ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ ، بَلْ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ ، وَإِنَّمَا الصِّحَّةُ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ .
قُلْت : وَوَرَدَ لَفْظُ الْإِجْزَاءِ كَثِيرًا ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الصِّحَّةِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يَسْمَحُوا بِإِطْلَاقِ الْفَاسِدِ ، وَإِنَّمَا قَالُوا : هِيَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ شَبِيهَةٌ بِهَا ، كَإِمْسَاكِ رَمَضَانَ .
وَقَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ " : إنَّمَا صَارَ الْفُقَهَاءُ إلَى هَذَا فِي أَصْلٍ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20649_24348الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُمْ ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرِيعَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ : مَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ .
وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْتِفَاتَ الْخِلَافِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ هَلْ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ ؟
وَالثَّانِي : قَوْلُ الْفُقَهَاءِ حَكَاهُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْخُولِ " .