المرتبة الثامنة : . فأطلق أن يقول : كنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم ، أو كانوا يفعلون كذا الآمدي ، ، وابن الحاجب والهندي أن الأكثرين على أنه حجة ، وإن لم يضفه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم . والتحرير أن لهذه المرتبة ألفاظا . أحدها : أن يقول : كان الناس يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم فلا يتجه في كونه حجة خلاف لتصريحه بنقل الإجماع المعتضد بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم . وثانيها : أن يقول كنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم ، فهذه دون ما قبلها لاحتمال عود الضمير في كنا إلى طائفة مخصوصة . وحكى في هذه المسألة ثلاثة أقوال . قال : فقبله القرطبي أبو الفرج من أصحابنا ، ورده أكثر أصحابنا ، وهو الأظهر من مذهبهم . قال القاضي أبو محمد يعني عبد الوهاب : والوجه التفصيل بين [ ص: 306 ] ما يكون شرعا مستقرا ، كقول : { أبي سعيد } ، الحديث . فمثل هذا لا يستحيل خفاؤه عليه صلى الله عليه وسلم ، وإن كان مما يمكن خفاؤه ، فلا يقبل ، كقول كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى روى لنا بعض عمومتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وقيل : لعل الأولى في ذلك أن الصحابي إن ذكر ذلك في معرض الحجة حمل على الرفع ، وإلا فلا أثر . وما حكاه عن رافع بن خديج القاضي أبي محمد قطع به وغيره ، والذي رأيته في كلام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي القاضي أبي محمد يعني عبد الوهاب إنما هو التفصيل بين ما لا يثبت إلا بالشرع ، ولم يكن مستصحبا يخفى مثله ، فيجب حمله على عمله صلى الله عليه وسلم وأمره به ، كقول في صدقة الفطر ، وإن كان مما يستند إلى عادة يفعلونها فمحتمل ، حتى يقوم دليل يمنع الاحتمال ، كأن يورده على جهة الاحتجاج . وقال أبي سعيد القاضي في " التقريب " : إن أضاف فعلهم إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإيقاعه على وجه يعلم عليه السلام تكرر وقوعه ، فهو حجة لتقريره ، وإلا فلا .
ثالثها : أن يقول كان الناس يفعلون ذلك ، ولا يصرح بعهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذه دون الثانية ، لعدم التصريح بالعهد ، وفوقها الإضافة إلى [ ص: 307 ] جميع الناس وحكى في " التقريب " في ثبوت الإجماع بذلك قولين . رابعها : أن يقول : كانوا يفعلون ، أو كنا نفعل ، وهو دون الكل ; لعدم التصريح بالعهد ، وبما يعود عليه الضمير ، قيل : ومذهب الحنفية والحنابلة أنه إجماع ، وقال القاضي أبو بكر الغزالي : ، فلا يدل على فعل جميع الأمة ، فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقل الإجماع ، وفي إذا قال التابعي كانوا يفعلون كذا خلاف مشهور . وقال ثبوت الإجماع بخبر الواحد ابن السمعاني في " القواطع " : ، فهو على ثلاثة أضرب : أحدها : أن يضيفه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله ، يحمل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم ويكون شرعا لنا . وإن كان مثله يخفى بأن يكون منهم ذكره حمل على إقراره ، لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى كقول إذا قال الصحابي : كانوا يفعلون كذا : { أبي سعيد } ، وعلى هذا إذا أخرج الراوي الرواية مخرج التكثير بأن قال : كانوا يفعلون كذا ، حملت الرواية على عمله وإقراره ، فصار المقول شرعا . وإن تجرد عن لفظ التكثير كقوله : فعلوا كذا فهو محتمل ولا يثبت شرع باحتمال . كنا نخرج صدقة الفطر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من بر أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر
الثاني : أن يضيفه إلى عصر الصحابة ، فينظر ، فإن كان مع بقاء عصر الصحابة ، فليس بحجة ، وإن كان بعد انقراض عصرهم . فهو حكاية عن إجماعهم فيكون حجة . [ ص: 308 ] الثالث : أن يطلقه ولا يضيفه إلى أحد العصرين ، فإن كان عصر الصحابة باقيا فهو مضاف إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان عصر الصحابة منقرضا ، فهو مضاف إلى عصر الصحابة ; لأن الحكاية عن ماض ، فإن كان قبل عصر الصحابة ، فالماضي قبله عصر الرسول ، وإن كان بعد عصر الصحابة ، فالماضي قبله عصر الصحابة . تنبيه [ فائدة رعاية هذا الترتيب ] فائدة رعاية هذا الترتيب الترجيح عند التعارض ، فما لا يحتمل أرجح مما يحتمل ، وما يحتمل احتمالا واحدا أرجح مما يحتمل الاثنين ، وهكذا في الباقي .