الموطن الخامس : أن النسبة التي تضمنها فقط لا واحد من طرفيها . فهما يتوجهان إلى خبر المبتدأ لا إلى صفته ، فإذا كذبت القائل في قوله : زيد بن عمرو كريم ، فإن التكذيب لا يتوجه إلى كونه ابن عمرو ، بل إلى كونه كريما ; لأن الصفة ثابتة حال النفي ثبوتها حال الإثبات ، ولأن علم المخاطب بثبوت الصفة للموصوف ليس لإثبات المتكلم إياها له ، وأن الاحتياج إلى ذكرها لإزالة اللبس ، فيلزم أن تكون معلومة للمخاطب ، وإلا فلا يحصل التمييز ، وإذا كانت معلومة للمخاطب ، فلا يقصدها المتكلم بإخباره إياها ، والتصديق والتكذيب إنما يتوجهان إلى ما يقصده المتكلم لا إلى ما لا يقصده ، فإذا قيل : قام زيد ، فقيل : صدق أو كذب ، انصرف ذلك إلى قيام زيد ، لا إلى ذلك المشار إليه بالقيام ، هل اسمه زيد أو عمرو ، وتظهر فائدة هذا فيما لو كان مختلفا في اسمه ، فلا يستفاد من ذلك أنك حاكم بأن ذلك اسمه بهذه الصفة ، ولهذه القضية استشكل قراءة من قرأ : { مورد الصدق والكذب وقالت اليهود عزير ابن الله } بإسقاط التنوين على أن الابن صفة ; لأن التقدير حينئذ هو عزير ابن الله ، أو عزير ابن الله إلهنا ، إما بحذف المبتدأ أو الخبر ، وهو خطأ ; لأنه إذا أخبر عن مبتدأ موصوف ، أو عن موصوف غير المبتدأ ، فإن الكذب ينصرف إلى الخبر ، وتبقى الصفة على أصل الثبوت ، فحينئذ يبقى كونه ابنا لله ثابتا ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . [ ص: 87 ]
والذي يقال في توجيه هذه القراءة : أن هذا الكلام سبق لنفي إلهية مثل هذا ; بل بين جهلهم إذ ادعوا الولدية فيه ، ولا ريب أن دعوى الشرط أسهل من إثبات الولدية له ، أو على طريق الحكاية ، أي قالوا : هذه العبارة المنكرة ، ولم يتعرض لما قالوا خبرا عنها ، فلا يقدر هناك محذوف أصلا ، أو غير ذلك كما بينته في كتاب البرهان في علوم القرآن ، ولهذه القاعدة قال وبعض أصحابنا فيما إذا مالك ، فليس له إن نوزع في محاكمة أخرى في البنوة أن يقول : هذان شهدا لي بالبنوة لقولهما في شهادة التوكيل : إن فلان بن فلان ، لكن الصحيح عند أصحابنا أنها شهادة له بالوكالة أصلا وبالنسبة ضمنا ، ذكره شهد شاهدان بأن فلان بن فلان وكيل فلان : إن شهادتهما بالتوكيل لا يستفاد منها أنهما شهدا بالبنوة الماوردي في الحاوي " في باب التحفظ في الشهادة والعلم بها ، وكذلك الروياني في البحر " والهروي في الأشراف " . فإن قلت : فهذا يشكل على هذا الأصل قلت : لا إشكال ; لأنا لما صدقنا الشاهدين كان قولهما متضمنا لذلك . نعم ، احتج على صحة الشافعي بقوله { أنكحة الكفار امرأة فرعون } وبقوله : { وامرأته حمالة الحطب } . فقال ما معناه سمى كلا منهما امرأة لكافر ، ولفظ الشارع محمول على الشرعي ، فدل على أن كلا منهما زوجة لهما ، فعلى هذا يتوجه صدق الخبر للطرفين والنسبة .