[ ص: 83 ] الموطن الثالث في المشهور أنه لا واسطة بين الصدق والكذب ، بدليل قوله تعالى : { انحصاره في ذي الصدق والكذب وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } وقوله عليه السلام : { } لدلالته على انقسام الكذب إلى عمد وغيره ، وقول من كذب علي متعمدا : كذب ابن عباس نوف أي البكالي ليس صاحب الخضر موسى بني إسرائيل ، ومنهم من أثبت الواسطة ، واختلفوا فيه على أقوال . أحدها : ونقل عن أن صدقه مطابقته للواقع مع اعتقاد المخبر ، وكذبه عدمهما ، وغيرهما ليس بصدق ولا كذب ، وكأنه أجرى الصدق مجرى العلم فكما أن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به من جهة صحته ، فكذلك الخبر ، ويجوز أنه راعى أصله الفاسد في التحسين والتقبيح ، فراعى في كونه صدقا وقوعه حسنا لمفارقة الصدق والكذب في حسن أحدهما وقبح الآخر ، ولا يكون الخبر حسنا إلا مع المخبر بحال المخبر عنه ; لأن تجويزه على خلاف ما أخبر يقتضي قبحه ، ونحن قد بينا أن الصدق قد يقبح ، فلا يجب أن يكون كونه صدقا علة لحسنه ، ككونه كذبا علة لقبحه . أبي عثمان الجاحظ
بل لو كان كونه صدقا علة تقتضي الحسن ، لكان الحسن إنما ثبت إذا انتفت وجوه القبح . الثاني : أن صدقه مطابقته لاعتقاد المخبر سواء طابق الخارج أو لا ، وكذبه عدمهما ، فالساذج واسطة ، والثالث : هو قول الراغب : إن صدقه مطابقته للخارج والاعتقاد معا ، فإن فقدا منه لم يكن صدقا ، بل لا يكون [ ص: 84 ] صدقا ، وقد يوصف بالصدق والكذب بنظرين مختلفين كما لو كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد ، كقول الكافر : أشهد إنك لرسول الله ، ومنشأ الخلاف في هذه المسألة تعريفهم الصدق والكذب . وقال : الخلاف في هذه المسألة لفظي ، وقال ابن الحاجب الهندي : إنه الحق ; لأنه إن عنى بالخبر الصدق ما يكون مطابقا للمخبر عنه كيفما كان ، وبالكذب ما لا يكون مطابقا كيفما كان ، فالعلم باستحالة حصول الواسطة بينهما ضروري . وإن عنى بهما ما يكون مطابقا وغير مطابق ، لكن مع العلم بهما ، فإمكان حصول الواسطة بينهما معلوم أيضا بالضرورة ، وهو ما لا يكون معلوما لمطابقته وعدم مطابقته ، فثبت أن الخلاف لفظي . قلت : يتفرع على هذا الخلاف ما لو قال : لا أنكر ما تدعيه ، وهي عبارة التنبيه " ، أو لست منكرا له ، وهي عبارة " الشرح والروضة " فهو إقرار ، وهذا بناء على أنه لا وساطة بين الإقرار وعدم الإنكار . فإن قلنا : بينهما وساطة ، وهي السكوت فليس بإقرار ، وهو اختيار بعض المتأخرين .