القول في دخول الشرط على الكلام
: دخول الشرط على الكلام
اعلم أن الشرط عبارة عما لا يوجد المشروط مع عدمه لكن لا يلزمه أن يوجد وجوده ، وبه يفارق العلة إذ العلة يلزم من وجودها وجود المعلول ، والشرط يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجوده . والشرط عقلي ، وشرعي ، ولغوي ، والعقلي كالحياة للعلم ، والعلم للإرادة ، والمحل للحياة ، إذ الحياة تنتفي بانتفاء المحل فإنه لا بد لها من محل ، ولا يلزم وجودها بوجود المحل ، والشرعي كالطهارة للصلاة ، والإحصان للرجم ، واللغوي كقوله : " إن دخلت الدار فأنت طالق ، وإن جئتني أكرمتك " فإن مقتضاه في اللسان باتفاق أهل اللغة اختصاص الإكرام بالمجيء ، فإنه إن كان يكرمه دون المجيء لم يكن كلامه اشتراطا ، فنزل الشرط منزلة تخصيص العموم ، ومنزلة الاستثناء إذ لا فرق بين قوله : اقتلوا المشركين إلا أن يكونوا أهل عهد ، وبين أن يقول : اقتلوا المشركين إن كانوا حربيين ، وكل واحد من الشرط ، والاستثناء يدخل على الكلام فيغيره عما كان يقتضيه لولا الشرط ، والاستثناء حتى يجعله متكلما بالباقي لا أنه مخرج من كلامه ما دخل فيه ، فإنه لو دخل فيه لما خرج ; نعم كان يقبل القطع في الدوام بطريق النسخ ، فأما رفع ما سبق دخوله في الكلام فمحال ، فإذا قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، فمعناه : أنك عند الدخول طالق ، فكأنه لم يتكلم بالطلاق إلا بالإضافة إلى حال الدخول ، أما أن نقول : تكلم [ ص: 262 ] بالطلاق عاما مطلقا دخل أو لم يدخل ثم أخرج ما قبل الدخول فليس هذا بصحيح . فإن قيل : قوله : اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة أو إن لم يكونوا ذميين ، فلفظ المشركين " متناول للجميع ولأهل الذمة لكن خرج أهل الذمة بإخراجه بالشرط ، والاستثناء . قلنا : هو كذلك لو اقتصر عليه ، ولذلك يمتنع الإخراج بالشرط ، والاستثناء منفصلا ، ولو قدر على الإخراج لم يفرق بين المنفصل ، والمتصل ، ولكن إذا لم يقتصر ، وألحق به ما هو جزء منه ، وإتمام له غير موضوع الكلام فجعله كالناطق بالباقي ، ودفع دخول البعض ، ، ومعنى الدافع أنه كان يدخل لولا الشرط ، والاستثناء فإذا لحقا قبل الوقوف دفعا .
فقوله تعالى : { فويل للمصلين } لا حكم له قبل إتمام الكلام ، فإذا تم الكلام كان الويل مقصورا على من وجد فيه شرط السهو ، والرياء لا أنه دخل فيه كل مصل ثم خرج البعض ، فهكذا ينبغي أن يفهم حقيقة الاستثناء ، والشرط فاعلموه
ترشدوا .