القول في المطلق ، والمقيد :
اعلم أن التقييد اشتراط ، والمطلق محمول على المقيد إن اتحد الموجب ، والموجب كما لو قال : { } ، وقال : { لا نكاح إلا بولي ، وشهود } فيحمل المطلق على المقيد ، فلو قال في كفارة القتل : { لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل فتحرير رقبة } ثم قال فيها مرة أخرى : { فتحرير رقبة مؤمنة } ، فيكون هذا اشتراطا ينزل عليه الإطلاق ، وهذا صحيح ، ولكن على مذهب من لا يرى بين الخاص ، والعام تقابل الناسخ ، والمنسوخ كما نقلناه عن ، والقاضي مع مصيره إلى التعارض نقل الاتفاق عن العلماء على القاضي عند اتحاد الحكم . تنزيل المطلق على المقيد
أما إذا اختلف الحكم كالظهار ، والقتل فقال قوم : يحمل المطلق على المقيد من غير حاجة إلى دليل ، كما لو اتحدت الواقعة ، وهذا تحكم محض يخالف وضع اللغة إذ لا يتعرض القتل للظهار فكيف يرفع الإطلاق الذي فيه ، والأسباب المختلفة تختلف في الأكثر شروط واجباتها ؟ كيف ، ويلزم من هذا تناقض ؟ فإن الصوم مقيد بالتتابع في الظهار ، والتفريق في الحج حيث قال تعالى { ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجعتم } ، ومطلق في اليمين فليت شعري على أي المقيدين يحمل ؟ فقال قوم : لا يحمل على المقيد أصلا ، وإن قام دليل القياس ; لأنه نسخ ، ولا سبيل إلى نسخ الكتاب بالقياس ، وإلى هذا ذهب إذ جعل الزيادة على النص نسخا . أبو حنيفة
، وقد بينا فساد هذا في كتاب النسخ ، وأن قوله تعالى : { فتحرير رقبة } ليس هو نصا في إجزاء الكافرة بل هو عام يعتقد ظهوره مع تجويز قيام الدليل على خصوصه ، أما أن يعتقد عمومه قطعا فهذا خطأ في اللغة ، وقال رحمه الله : إن قام دليل حمل عليه ، ولم يكن فيه إلا تخصيص العموم ، وهذا هو الطريق الصحيح . فإن قيل : إنما يطلب بالقياس حكم ما ليس منطوقا به في كفارة الظهار ، ومقتضاها إجزاء الكفارة . الشافعي قلنا بينا أن كون الكفارة منطوقا بها مشكوك فيه إذ ليس تناول عموم الرقبة له كالتنصيص على : الكافرة ، وقد كشفنا الغطاء في مسألة تخصيص عموم القرآن بالقياس .
هذا تمام القول في العموم ، والخصوص ، ولواحقه من الاستثناء ، والشرط ، والتقييد ، وبه تم الكلام في الفن الأول ، وهو دلالة اللفظ على معناه من حيث الصيغة ، والوضع . [ ص: 263 ]