قال رحمه الله ( فإن ضمن القاطع الدية ، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية لا فالخطأ من الثلث والعمد من كل المال ) يعني لو قطع يد رجل عمدا أو خطأ فقال المقطوع عفوت عن القطع ، فمات ضمن القاطع في العمد الدية بخلاف ما لو قال عفوت عن الجناية كما سيأتي وأطلق عفا المقطوع عن القطع فمات المؤلف في قوله والخطأ من ثلث المال ، ولم يفرق بين ما إذا كان العافي يخرج ويجيء أو كان لا يخرج ولا يجيء سيأتي بيانه .
وقوله بإطلاقه قول وفي الجامع الصغير الإمام أو رجل قطع يد رجل ظلما عمدا ، فعفا المقطوع يده عن القطع ثم سرى إلى النفس ومات يجب أن يعلم بأن هنا مسألتين إحداهما في العمد ، والأخرى في الخطأ ، وكل مسألة على وجوه إما أن يقول المقطوعة يده عفوتك عن الجناية أو يقول عفوتك عن القطع وما يحدث منه ، فإن كانت الجناية عمدا فقال المقطوعة يده أو قال المشجوجة رأسه عفوتك عن الجناية صح العفو وبرئ من القطع أو الشجة أو مات حتى لا يجب شيء في الحالين ثم تصح البراءة عن جميع المال سواء برئ أو مات ، وإن قال عفوتك عن القطع ، ولم يقل وما يحدث من القطع أو قال عفوتك عن الشجة ولم يقل وما يحدث منها صح العفو عندهم جميعا ، فلو مات تجب الدية . شج إنسان موضحة عمدا فعفا المشجوج رأسه عن الشجة ثم سرى إلى النفس ومات
قال : مع أن العفو باطل ، والقصاص أن يجب على المعفو عنه القصاص إلا أني أستحسن وجوب الدية في ماله وقال أبو حنيفة أبو يوسف بأن العفو عنه جائز ولا شيء على المعفو عنه لا القصاص ولا الدية هذا الذي ذكرنا إذا كانت الجناية عمدا ، فإذا كانت خطأ إن عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه صح العفو سواء برئ ومات إلا أنه إن عفا في حال يخرج ويجيء ويذهب بعد الجناية وأنه على قول بعض المشايخ يعتبر من جميع ماله وذكر في المنتقى في هذه الصورة أنه يعتبر من ثلث المال ، وإن عفا عن القطع إن اقتصر عن القطع إن برئ صح العفو بلا خلاف من جميع المال ، وإن صار قاتلا فعلى قول ومحمد العفو باطل ، وكان على عاقلة القاتل الدية أبي حنيفة وعندهما العفو جائز كما لو عفا عن القطع وعما يحدث منه إلا أنه إن عفا في حالة حكم الصحة بأن كان يذهب ، ويجيء يصح من جميع المال وعلى قياس رواية المنتقى من ثلث المال ، وإن عفا في حال حكم المرض بأن صار صاحب فراش يعتبر من ثلث المال ، ولو قال عفوت عن الجناية أو عن القاطع وما يحدث منه كان عفوا عن دية النفس بالإجماع حتى إذا مات سقط كل الدية فيه غير أنه يعتبر من الثلث في الخطأ ; لأن موجبه المال ، وقد تعلق به حق الورثة فيعتبر من الثلث كسائر أمواله بخلاف ما إذا كان عمدا حيث يصح من جميع المال ; لأن موجبه القصاص ولم يتعلق بحق الورثة ; لأنه [ ص: 361 ] ليس بمال .
قال في العناية : فيه بحث ، وهو أن القصاص موروث بالاتفاق ، فكيف لم يتعلق به حق الورثة ثم قال : والجواب عنه أن المصنف نفى تعلق حق الورثة به لا كونه موروثا ولا تنافي بينهما ; لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل والقياس في المال أيضا أن لا يثبت فيه تعلق حق الورثة إلا بعد موت المورث لكن ثبت ذلك شرعا بقوله عليه الصلاة والسلام { } وتركهم أغنياء إنما يتحقق بتعلق حقهم بما يتعلق به التصرف فيه والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكنه موروث ا هـ . لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
أقول : في تقرير البحث المذكور خلل فاحش وفي تحرير الجواب المزبور التزام ذلك أما الأول ; فلأنه سيجيء في أول باب الشهادة في القتل أن القصاص ثبت لورثة القتيل ابتداء لا بطريق الوراثة منه كالدين والدية فقوله إن القصاص موروث بالاتفاق كذب صريح وقد مر نظير هذا من صاحب العناية في الفصل السابق ، وثبت بطلانه هناك أيضا فتذكر ، وأما الثاني ; فلأنه لم يقع التعرض فيه لكون القصاص غير موروث من المقتول عند بل سبق الكلام على وجه يشعر بكونه موروثا بالاتفاق ألا ترى إلى قوله في خاتمته والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكونه موروثا وفي المحيط ويكون هذا وصية للعاقلة سواء كان القاتل واحدا منهم أو لم يكن ; لأن الوصية للقاتل إذا لم تصح للقاتل تصح للعاقلة كمن أوصى لحي وميت فالوصية كلها للحي ا هـ . إمامنا الأعظم
وظهر هنا من قول صاحب المحيط وصية للعاقلة فساد ما اعترض به من أن الوصية للقاتل لا تصح ومن أن القاتل كواحد من العاقلة فكيف جاءت الوصية له بجميع الثلث فتأمل ويظهر من أن القول بأنه وصية أنه لو لم يكن له مال في العمد تسعى العاقلة في ثلثي الدية ، وفي الخطأ إن خرجت الدية من الثلث فلا سعاية ، ولو لم تخرج من الثلث يسقط بقدر ما يخرج وتسعى العاقلة في البقية كما سيأتي في نظائره في كتاب الوصايا ، وهذا من خصائص هذا الكتاب .