وأما فهو وجوب القصاص والدية والإثم ، قال حكمه رحمه الله تعالى القتل على ثلاثة أوجه : عمد وخطأ وشبه عمد ، فالعمد وهو أن يتعمد ضربه بسلاح وما يجري مجراه مما له حد يقطع ويجرح ; لأن العمد والقصد مما لا يوقف عليه ولكن الضرب بآلة جارحة قابلة قاطعة دليل على القتل فيقام مقام العمد ، ثم آلة القتل على ضربين آلة السلاح وغير السلاح أما السلاح فكل آلة جارحة كالسيف والسكين ونحوهما فيقتل به وهو عمد محض ، ولو قتله بحديد لا حد له ، نحو أن يضربه بعمود أو بصنجة حديد أو نحاس أو صفر فعلى رواية محمد يكون عمدا محضا ; لأن الحديد إذا لم يجرح يكون عمدا لقوله عليه الصلاة والسلام { الطحاوي } والحديد أصل في القتل به وأنه منصوص عليه في إيجاب القود به والحكم في المنصوص عليه يتعلق بعين النص لا بالمعنى والنص الوارد في الحديد والسيف يكون واردا فيما هو في معناه في الاستعمال دلالة والنحاس يستعمل منه السلاح كما يستعمل من الحديد فيكون الحكم فيه ثابتا بدلالة النص لا بعينه ، ولو ضربه بصنجة رصاص لا يكون عمدا ; لأنه لا يستعمل منه استعمال الحديد وهو السلاح ، وأما غير السلاح كالليطة والمروة والرمح الذي لا سنان فيه ونحوه إذا جرحه فهو عمد محض ; لأنه إذا فرق الأجزاء عمل عمل السيف ; لأنه حصل ما هو المقصود من الحديد بما هو معتاد له فلا تكون شبهة العمد اعتبار قصور الآلة ولهذا قال إذا لا قود إلا من حديد يقتل به ; لأن النار تفرق الأجزاء وتبعضها وتعمل عمل الحديد ، وأما شبه العمد وهو القتل بآلة لم توضع له ، ولم يحصل به الموت غالبا مثل السوط الصغير والعصا الصغيرة ونحوه . أحرق رجلا بالنار
فأما القتل بالعصا الكبير وبكل آلة مثقلة يحصل بها الموت غالبا لكنها غير جارحة قاطعة بل هي مدققة مكسرة وهو شبه العمد عند رحمه الله تعالى خلافا لهم لما يأتي . وأما الخطأ وهو ما لو تعمد شبها فيصيب آدميا أو يقصده فيظنه صيدا أو حربيا ، فإذا هو مسلم ونوع ما هو ملحق بالخطأ أبي حنيفة ، وكذا كالنائم إذا انقلب على إنسان فقتله ووضع الحجر في الطريق الممر ; لأنه إذا تسبب للقتل صار كالموقع والدافع ولما لم يقصد القتل هو كالخطأ في الحكم ولا يكون فيما دون النفس شبه العمد ; لأن ما دون النفس لا يختص إتلافه بآلة دون آلة بل يختص بآلة جارحة قاطعة ، فأما القتل يختص بآلات بعضها جارحة قاطعة وبعضها لا يختلف حكم النفس باختلاف الآلات ، وأما حكمها فسيأتي ، ولا يخفى أن القتل بطريق التسبب كحفر البئر : عمد وخطأ وشبه عمد وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب ، قال صاحب النهاية وجه الانحصار في هذه الخمسة هو أن القتل إذا صدر عن إنسان لا يخلو إما أن حصل بسلاح أو بغير سلاح ، وإن حصل بسلاح إما أن يكون به قصد القتل أو لا ، فإن كان فهو عدوان ، وإن لم يكن فهو خطأ ، وإن لم يكن بسلاح فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا ، فإن كان فهو شبه العمد ، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون معه قصد التأديب أو الضرب أو لا . القتل على خمسة أوجه
فإن كان فهو شبه العمد ، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا ، فإن كان فهو الخطأ ، وإن لم [ ص: 328 ] يكن فهو القتل بسبب وبهذا الاختصار يعرف تفسير كل واحد منها ا هـ .
أقول : فيه خلل أما أولا فلأنه جعل القتل خطأ مخصوصا بما حصل بسلاح ، وليس كذلك إذ لا شك أن القتل الخطأ كما يكون بسلاح يكون أيضا بما ليس بسلاح كالحجر العظيم والخشبة العظيمة وأما ثانيا فلأن قوله ، وإن لم يكن جاريا مجرى الخطأ فهو القتل بسبب ليس بتام ; لأن ما لا يكون جاريا مجرى الخطأ لا يلزم أن يكون القتل بسبب ألبتة بل يجوز أن يكون القتل بخطإ محض أيضا فلا يتم الحصر في القتل بسبب ولما تنبه صاحب العناية لما في وجه الحصر الذي ذكره صاحب النهاية من القصور ، قال في بيان قول المصنف القتل على خمسة أوجه وذلك أنا استقرينا فوجدنا ما يتعلق به شيء من الأحكام المذكورة أحد هذه الأوجه المذكورة ، ونقل ما ذكر صاحب النهاية من وجه الحصر ، فقال وضعفه وركاكته ظاهران من غير تفصيل وبيان ، والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام قال جمهور الشراح إنما قيد به ; لأن من حيث هو قتل من غير نظر إلى ضمان القتل وعدم ضمانه أكثر من خمسة أوجه كقتل المرتد والقتل قصاصا والقتل رجما والقتل بقطع الطريق وقتل الحربي حتى قال بعضهم ونظير هذا ما قاله أنواع القتل رحمه الله تعالى في كتاب الأيمان . محمد
الأيمان ثلاثة ، ولم يرد جنس الأيمان ; لأنها أكثر من ثلاثة يمين بالله تعالى ويمين بالطلاق ويمين بالعتاق والحج والعمرة وإنما أراد بذلك الأيمان بالله تعالى ا هـ .
قال قاضي خان أقول : فيما قالوا نظر إذ الظاهر أن شيئا من أنواع القتل لا يخرج عن الأوجه الخمسة المذكورة في الكتاب بل يدخل كل من ذلك في واحد من تلك الأوجه ، فإن ما ذكره من قتل المرتد وقتل الحربي والقتل قصاصا أو رجما أو بقطع الطريق ، يكون قتلا عمدا إن تعمد القاتل ضرب المقتول بسلاح وما أجري مجرى السلاح ويكون شبه عمد إن تعمد ضربه بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح إلى غير ذلك من الأوجه المذكورة وإنما تكون تلك الأنواع المباحة من القتل خارجة عن الأحكام المذكورة لهذه الأوجه الخمسة فلا معنى للقول بأن أنواع القتل أكثر من خمسة ، وإن قلت : كيف يتصور خروج تلك الأنواع من الأحكام للأوجه الخمسة للقتل إلا من نفس هذه الأوجه ، وحكم الشيء ما يترتب عليه ويلزمه ويكون خطأ إن لم يكن بطريق التعمد بل كان بطريق الخطإ قلت : قد يكون ترتب الحكم على شيء مشروطا بشرط ، ألا ترى أنهم جعلوا وجوب القود من أحكام القتل العمد مع أنه له شروط كثيرة منها كون القاتل عاقلا بالغا إذ لا يجب أصلا ومنها أن لا يكون المقتول جزء القاتل حتى لو القود على الصبي والمجنون لا يجب عليه القصاص . قتل الأب ولده عمدا
وكذا لو ، ومنها أن يكون المقتول ملك القاتل حتى لا يقتل المولى بعبده ، ومنها كون المقتول معصوم الدم مطلقا فلا يقتل مسلم ولا ذمي بالكافر الحربي ولا بالمرتد لعدم العصمة أصلا ولا بالمستأمن في ظاهر الرواية ; لأن عصمته ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام صرح بذلك كل ما في عامة المعتبرات فكذا كون القتل بغير حق شرطا لترتيب كل من الأحكام المذكورة للأوجه الخمسة من القتل ، وليس شيء مما ذكروا من الأحكام من هذه الأنواع المذكورة لها بناء على أن انتفاء شرط تلك الأحكام وهو كون القتل معصوم الدم وكون القتل بغير حق لا يقدح في شيء فالأظهر أن مراد قتلت الأم ولدها ، وكذا الجد والجدة المصنف بقوله والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام هو التنبيه على أن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحوال بغير حق إذ هو الذي يكون من الجنايات ويترتب عليه أحكامها دون أحوال مطلق القتل ، وإن كان الأوجه الخمسة المذكورة تتناول كل ذلك .