الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وإذا كان الرهن أمتين قيمة كل واحدة ألف فولدت كل واحدة بنتا تساوي ألفا والدين ألف فقتلت إحدى البنتين صاحبتها لم يبطل من الدين شيء والباقي رهن بألف كلها ; لأن الدين لم ينقسم عليهما وعلى ولديهما أرباعا على سبيل الترقب والانتظار ; لأن قيمتهما على السواء فصارت كل واحدة فارغة وربعها مشغول بالدين ; لأن قيمة كل واحدة مثل الدين والمقتولة ثلاثة أرباعها فارغة وربعها مشغول والجناية على ثلاثة أرباعها هدر ; لأنه تلف بجناية الفارغ على الفارغ وبجناية المشغول على الفارغ إلا أنه لا يسقط ما بإزائه من الدين ولكن يلحق باقيها ; لأن بفوات الدين يتحول ما فيه من الدين إلى الأم والجناية على ثلاثة أرباع ربع المشغول معتبرة ; لأنه تلف بجناية الفارغ على المشغول فتحول ما بإزائه من الدين إلى القاتلة فصارت القاتلة رهنا بسبعمائة وخمسين ، وأما القاتلة كانت رهنا بمائتين وخمسين وذلك كله ألف ، فإن ماتت أم المقتولة بقيت القاتلة وأمها بسبعمائة وسبعة وثمانين ونصف لحقها من الجناية وافتكها بذلك أمة مرهونة بألف وقيمتها ألف فولدت ولدا يساوي ألفا فجنى الولد فدفع بها لم يبطل من الدين شيء ; لأن دفع الولد بمنزلة الهلاك ، ولو هلك الولد لا يسقط شيء من الدين فكذا هذا .

                                                                                        وإن فقأت الأم عيني البنت فدفعت الأم وأخذت البنت فهي رهن بألف كاملة ; لأن الأم إن ماتت ماتت بجميع الألف عندهما وعند محمد رحمه الله تعالى يسقط من الدين بقدر نقصان العين ; لأن عنده في الجثة العمياء إذا اختار مولى الفاقئ الدفع وأخذ الجثة له ذلك ، وليس لمولى المفقوءة إمساك الجثة ويضمن النقصان ، وكذلك عند أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا اختار مولى المفقوءة دفع الجثة وأخذ الفاقئ فالرهن كله فات إلى خلف فيقوم الخلف مقامه وعند محمد رحمه الله لمولى المفقوءة إمساك الجثة ويضمن النقصان وكان الفاقئ بدلا عن الجثة وعن العينين جميعا فما بإزاء العينين من الرهن قد بطل ; لأن العينين لم تصر ملكا للراهن ولا وصل إلى المرتهن فكان الرهن بقدر الجثة فائتا بخلف فيكون رهنا به .

                                                                                        فإن فقأت الأم بعد ذلك عيني البنت فدفعت وأخذت الأم عمياء ففي القياس تكون رهنا بجميع المال ; لأن البنت قامت مقام الأم بالدفع كما قامت الأم مقام البنت بالدفع في جميع الرهن ، وفي الاستحسان يعود الرهن الأول على حاله ويذهب منه بحساب ما نقص من العينين ; لأن الأم كانت أصلا في الرهن والبنت جعلت بدلا عنها وتبعا لها ، فإذا دفعت الأم بالبنت فقد وقعت القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل ; لأن المقصود من الرهن الإيفاء ، ولم يوجد الإيفاء فسقط اعتبار البدل فبقيت الأم أصلا في الرهن كما كانت قبل الدفع لا بدلا عن البنت فكانت أصلا .

                                                                                        ولو ذهبت عيناه يسقط من الدين بحساب العمياء فكذا هذا ولأن البنت لما جعلت بدلا وتبعا للأم في الرهن فلو قامت الأم مقام البنت يكون في هذا المتبوع تبعا لتبعيته ، وهذا خلاف موضوع الشرع فلا تقوم الأم مقام البنت بل تبقى أصلا وتبقى رهنا كما كانت .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية