الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال : رحمه الله . ( واحتكار قوت الآدميين والبهائم في بلد لم يضر بأهلها ) يعني يكره الاحتكار في بلد يضر بأهلها لقوله عليه الصلاة والسلام { الجالب مرزوق والمحتكر ملعون } ولأنه تعلق به حق العامة وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره هذا إذا كانت البلدة صغيرة يضر ذلك بأهلها أما إذا كانت كبيرة فلا يكره ; لأنه حابس ملكه ، وتخصيص الاحتكار بالأقوات قول الإمام والثالث ، وقال أبو يوسف : كل ما يضر العامة فهو احتكار ، بالأقوات كان أو ثيابا أو دراهم أو دنانير اعتبارا لحقيقة الضرر ; لأنه هو المؤثر في الكراهة ، وهما اعتبرا الحبس المتعارف وهو الحاصل في الأقوات في المدة فإذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر ، إذا طالت يكون مكروها ثم قيل هو مقدر بأربعين ليلة لقوله عليه الصلاة والسلام { من احتكر طعاما أربعين ليلة فهو بريء من الله والله بريء منه } وقيل بالشهر لأن ما دونه قليل عاجل وهو وما فوقه كثير آجل ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العسرة وبين أن يتربص القحط - والعياذ بالله - وقيل : المدة المذكورة للمعاقبة في الدنيا ، وأما الإثم فيحصل وإن قلت المدة فحاصله أن التجارة في الطعام غير محمودة .

                                                                                        وفي المحيط الاحتكار على وجوه : أحدها حرام وهو أن يشتري في المصر طعاما ويمتنع عن بيعه عند الحاجة إليه ولو اشترى طعاما في غير المصر ونقله إلى المصر وحبسه قال الإمام لا بأس به ; لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع من المصر أو جلب من فنائه ، وقال الثاني : يكره ، وقال محمد : كل بقعة يمتد منها إلى المصر في العادة فهي بمنزلة فناء المصر يحرم الاحتكار منه وهذا في غاية الاحتياط ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية