الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 225 ] ( قوله : وإن اختلف الزوجان في متاع البيت فالقول لكل واحد منهما فيما يصلح له ) ; لأن الظاهر شاهد له والمتاع لغة كل ما ينتفع به كالطعام والبر ، وأثاث البيت ، وأصله ما ينتفع به من الزاد ، وهو اسم من متعته بالتثقيل إذا أعطيته ذلك والجمع أمتعة كذا في المصباح ، ومرادهم من المتاع هنا ما كان في البيت ، ولو ذهبا أو فضة كما سيأتي في المشكل قالوا والصالح له العمامة والقباء والقلنسوة والطيلسان والسلاح والمنطقة والكتب والفرس والدرع الحديد فالقول في ذلك له مع يمينه ، وما يصلح لها الخمار والدرع والأساورة وخواتم النساء والحلي والخلخال ونحوها فالقول لها فيها مع اليمين قالوا إلا إذا كان الزوج يبيع ما يصلح لها فالقول له لتعارض الظاهرين ، وكذا إذا كانت تبيع ما يصلح له لا يقبل قوله لما ذكرنا . وفي الخانية : ولو اختلفا في متاع النساء ، وأقاما البينة يقضى للزوج أطلق الزوجين فشمل المسلمين والمسلم مع الذمية والحرين والمملوكين والمكاتبين كما في البدائع والزوجين الكبيرين والصغيرين إذا كان الصغير يجامع كما في خزانة الأكمل ، وأما إذا كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فسيأتي وشمل اختلافهما حال بقاء النكاح ، وما بعد الفرقة كما في الكافي ، وما إذا كان البيت ملكا لهما أو لأحدهما خاصة كما في خزانة الأكمل ; لأن العبرة لليد لا للملك كذا في البدائع .

                                                                                        وفي القنية من باب ما يتعلق بتجهيز البنات : افترقا ، وفي بيتها جارية نقلتها مع نفسها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له ; لأن يده قد كانت ثابتة ، ولم يوجد المزيل . ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه ، وفي البدائع هذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه فإن أقرت بذلك سقط قولها ; لأنها أقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة . ا هـ .

                                                                                        وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه كما في الخانية ، ولا يخفى أنه لو برهن على شرائه كان كإقرارها بشرائه منه فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة أو نحو ذلك ، ولا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام ، وقد أفتيت بذلك مرارا ، وقيد باختلاف الزوجين للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد ، وإن كانت كل واحدة منهن في بيت على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما وصفنا ، ولا يشترك بعضهن مع بعض كذا في خزانة الأكمل والخانية ، وللاحتراز عن اختلاف الأب مع بنته في جهازها ، وقد بيناه في النكاح .

                                                                                        وحاصله أن المفتى به أن العرف إن كان مستمرا أن الأب يجهزها ملكا لا عارية فالقول لها ، ولورثتها من بعدها ، وإن كان العرف مشتركا كعرف مصر فالقول للأب ، ولورثته من بعده ، وللاحتراز عن اختلاف الأب وابنه فيما في البيت قال في الخزانة قال أبو يوسف إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن كما لو كان الابن في بيت الأب وعياله [ ص: 226 ] فمتاع البيت للأب . ا هـ .

                                                                                        ثم قال قال محمد : رجل زوج بنته ، وهي وختنه في داره وعياله ثم اختلفوا في متاع البيت فهو للأب ; لأنه في بيته ، وفي يده ، ولهم ما عليهم من الثياب . ا هـ .

                                                                                        وجزم في الخانية بما قاله أبو يوسف ، وللاحتراز أيضا عن إسكافي وعطار اختلفا في آلة الأساكفة أو آلة العطارين ، وهي في أيديهما فإنه يقضي به بينهما ، ولا ينظر إلى ما يصلح لأحدهما ; لأنه قد يتخذه لنفسه أو للبيع فلا يصلح مرجحا ، وللاحتراز عما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فإن القول فيه للمستأجر لكون البيت مضافا إليه بالسكنى ، وهما في شرح الزيلعي ، وللاحتراز عن اختلاف الزوجين في غير متاع البيت وكان في أيديهما فإنهما كالأجنبيين يقسم بينهما ( قوله ، وله فيما يصلح لهما ) أي القول له في متاع يصلح للرجل ، وللمرأة ; لأن المرأة ، وما في يدها في يد الزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها ; لأنه يعارضه ظاهر أقوى منه ، ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة ، وما يصلح لهما الفرش والأمتعة والأواني والرقيق والمنزل والعقار والمواشي والنقود كما في الكافي وبه علم أن البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة ، وعزاه في خزانة الأكمل إلى الإمام الأعظم ، وفي الخانية ، ولو أقاما البينة يقضى ببينتها ; لأنها خارجة معنى وشمل كلام المؤلف ما إذا كانت المرأة في ليلة الزفاف ، وهو خلاف المتعارف في الفرش ونحوها ، ولهذا قال في خزانة الأكمل لو ماتت المرأة في ليلتها التي زفت إليه في بيته لا يستحسن أن يجعل متاع الفرش وحلي النساء ، وما يليق بهن للزوج والطنافس والقماقم والأباريق والصناديق والفرش والخدم واللحف للنساء وكذا ما يجهز مثلها إلا أن يكون الرجل معروفا بتجارة جنس منها فهو له . ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن أبا يوسف استثنى في حال موتها من كون ما يصلح لهما له ما إذا كان موتها ليلة الزفاف فكذا إذا اختلفا حال الحياة فيما يصلح لهما فالقول له إلا إذا كان الاختلاف ليلة الزفاف فالقول لها في الفرش ونحوها لجريان العرف غالبا من أن الفرش وما ذكر من الصناديق والخدم تأتي به المرأة وينبغي اعتماده للفتوى إلا أن يوجد نص في حكمه ليلة الزفاف عن الإمام بخلافه فيتبع . واعلم أن قاضي خان في الفتاوى جعل الصندوق مما يصلح لها فقط وينبغي أن يجعل مما يصلح لهما .

                                                                                        [ ص: 225 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 225 ] ( قوله : ومرادهم من المتاع هنا ما كان في البيت ) الأولى أن يقول البيت وما كان فيه بدليل ما يذكره في المقولة الآتية من عدة العقار والمنزل من المتاع الصالح لهما تأمل ( قوله : والفرس والدرع الحديد ) قال الرملي وكذا القوس ، وهنا ثلاثة ألفاظ الفرس بالفاء والراء والسين المهملة ، وهو الحيوان المخصوص والقوس بالقاف والواو والسين المهملة والفرش بالفاء والراء والشين المعجمة إلا ; الأولان مما يصلح له والثالث مما يصلح لهما وربما تصحف بعضها فضبطتها لذلك ، والله أعلم . ( قوله : قالوا إلا إذا كان الزوج يبيع إلخ ) مثله في معراج الدراية عن التمرتاشي ومثله في الكفاية وشرح الزيلعي وعبارة النهاية كذلك إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال وما يصلح لهما كالآنية والذهب والفضة والأمتعة والعقار فهو للرجل ; لأن المرأة ، وما في يدها في يد الزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها ; لأنه يعارض ظاهر الزوج باليد ظاهر أقوى منه ، وهو الاختصاص بالاستعمال فإن ما هو صالح للرجال فهو مستعمل للرجال وما هو مستعمل للنساء فهو مستعمل للنساء فإذا وقع الاشتباه يرجع بالاستعمال . ا هـ .

                                                                                        ومثله في العناية وفي الشرنبلالية قوله : إلا إذا كان كل منهما يفصل أو يبيع ما يصلح للآخر ليس على ظاهره في عموم نفي قول أحدهما بفعل أو بيع الآخر ما يصلح له ; لأن المرأة إذا كانت تبيع ثياب الرجال أو ما يصلح لهما فهو للرجل ; لأن المرأة ، وما في يدها للزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها ; لأنه عارض يد الزوج أقوى منه ، وهو الاختصاص بالاستعمال كما في العناية ويعلم مما سيذكره المصنف . ا هـ .

                                                                                        ولعل في المسألة قولين تأمل . ( قوله : وشمل اختلافهما حال بقاء النكاح وما بعد الفرقة ) قال الرملي في لسان الحكام ما يخالف ذلك فارجع إليه ولكن الذي هنا هو الذي مشى عليه الشراح ( قوله : وفي البدائع هذا كله إلخ ) ظاهره ولو كان مما يختص بالنساء تأمل وينبغي تقييده بما لم يكن من ثياب الكسوة الواجبة على الزوج تأمل ( قوله : فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة ) نسخة البدائع إلا بدليل كذا بخط شيخ مشايخنا منلا علي التركماني ( قوله : فإن متاع النساء بينهن على السواء ) أي أرباعا كما في المنح عن السراج أي إن كن أربعا ( قوله : في بيت على حدة ) أي في مسكين من الدار تأمل ( قوله : إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن إلخ ) انظر هل يأتي التفصيل هنا [ ص: 226 ] كما ذكروه في الزوجين بأن يكون أحدهما عالما مثلا والآخر جاهلا ، وفي البيت كتب ونحوها مما يصلح لأحدهما فقط وكذا لو كانت البنت في عيال أبيها فهل لها ثياب النساء ويقع كثيرا أن البنت يكون لها جهاز فيطلقها زوجها فتسكن في بيت أبيها فهل يكون كمسألة الزوجين أو كمسألة الإسكاف والعطار الآتية لم أره فليراجع .

                                                                                        ( قوله : وبه علم أن البيت للزوج ) البيت المسكن وبيت الشعر معروف مصباح والبيت اسم لمسقف واحد مغرب ولم يذكر الدار ، وإن كان داخلا في العقار فالظاهر أن حكمه مثل البيت بدليل ما نقله الشارح في باب الدخول والخروج عن الكافي حيث قال : وأما في عرفنا فالدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الداخل وعليه الفتوى . ا هـ .

                                                                                        إلا أن يفرق بين هذا وبين اليمين أقول : والذي نقله الشارح فيما يأتي أنها للزوج على قولهما ويؤيد ما قدمناه فلله الحمد لمحرره علي يعني شيخ مشايخنا منلا عليا التركماني رحمه الله تعالى .




                                                                                        الخدمات العلمية