قوله ( والرطب بالرطب أو بالتمر متماثلا ، والعنب بالزبيب ) أي متماثلا أيضا أما الأول فهو قول ، وقال الباقون من العلماء ، ومنهم أبي حنيفة أبو يوسف لا يجوز ، وأجمعوا على أن ومحمد لا يجوز ، ودليل الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم { بيع الرطب بالتمر متفاضلا } رواه حين سئل عنه أينقص إذا جف فقيل نعم فقال لا إذن في الموطإ ، والأربعة في السنن عن مالك زيد بن عياش عن ، وله أن الرطب تمر لقوله عليه الصلاة والسلام حين أهدي إليه رطب أو كل تمر سعد بن أبي وقاص خيبر هكذا سماه تمرا ، وتعقبه في غاية البيان بأن الهدية كانت تمرا ، وتبعه في البناية بأن الثابت في أنها تمر ، ولأن البخاري جاز البيع بأول الحديث ، وهو التمر بالتمر ، وإن كان غير تمر فبآخره ، وهو { الرطب لو كان تمرا } هكذا استدل إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم حين اجتمع عليه علماء الإمام الأعظم بغداد ، وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر ، وأجاب عن حديثهم بأن مداره على زيد بن عياش ، وهو ممن لا يقبل حديثه ، وفي الهداية ، وهو ضعيف عند النقلة ، وتعقبه في البناية بأنه ثقة عند النقلة قال ، وقد تكلم بعض الناس في إسناد هذا الحديث ، وقال الخطابي زيد بن عياش مجهول ، وليس كذلك فإن هذا مولى ابن عياش لبني زهرة ، وقد ذكره في الموطإ ، وأخرج حديثه مع شدة تحريه في الرجال ، ونقده ، وتتبعه لأحوالهم . وقد أخرجه مالك الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ، ورواه في مسنده ، أحمد في صحيحه ، وابن حبان في المستدرك ، وقال هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على أمانة والحاكم ، وأنه محكم لما يرويه ا هـ . مالك بن أنس
قال قال الحاكم الأكمل سلمنا قوته في الحديث ، ولكنه خبر واحد لا يعارض [ ص: 145 ] به المشهور ، وفي غاية البيان قوله ومدار ما روياه على زيد بن عياش ، والمذكور في كتب الحديث زيد أبو عياش ورده في البناية بأنه ، وهم فيه لأنه ، وكذلك ، وهم فيه الشيخ ابن عياش ، وكنيته أبو عياش علاء الدين التركماني هكذا ، وقال صاحب التنقيح زيد بن عياش أبو عياش الزلاني ، ويقال المخزومي ، ويقال مولى بني زهرة ، والمدني ليس به بأس . ا هـ .
، وفي العناية ، واعترض بأن الترديد المذكور يقتضي جواز لأن المقلية إما أن تكون حنطة فيجوز بأول الحديث أو لا فيجوز بآخره فمنهم من قال ذلك كلام حسن في المناظرة لدفع شغب الخصم ، والحجة لا تتم به بل بما بيناه من إطلاق اسم التمر عليه فقد ثبت أن التمر اسم لثمرة خارجة من النخلة من حيث تنعقد صورتها إلى أن تدرك ، والرطب اسم لنوع منه كالبرني ، وغيره ا هـ . بيع المقلية بغير المقلية
وفي فتح القدير ، وقد رد ترديده بين كونه تمرا أو لا بأن هنا قسما ثالثا ، وهو كونه من الجنس ، ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بينهما فكذا الرطب بالتمر لا يسويهما الكيل ، وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين ، وهو أن يجف الآخر ، و يمنعه ، ويعتبر التساوي في حال العقد وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع مع المساواة في الحال إذا كان موجبه أمرا خلقيا ، وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنا في الحال نحكم بعدم التساوي لاكتناز أحدهما في الكيل بخلاف الآخر لتخلل كثير ، وأجيب عن حديث أبو حنيفة زيد بن عياش أيضا بأن المراد النهي عنه نسيئة فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة كما رواه أبو داود ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ، وبهذا اللفظ رواه عن بيع الرطب بالتمر نسيئة ، وسكت عنه ، ورواه الحاكم ، وهذه الزيادة بعد صحتها يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين قبولها ، وإن كان الأكثر لم يروها إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في مجلس واحد ، ومثلهم لا يغفل عن مثلها فإنها مردودة لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة أينقص الرطب إذا جف عريا عن الفائدة إذا كان النهي عنه نسيئة ، وما ذكروا أن فائدته أن الرطب ينقص إلى أن يحل الأجل فلا يكون في هذا التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الجفاف فمنعه شفقة مبني على أن السائل كان ولي يتيم ، ولا دليل عليه ا هـ . الطحاوي
وفي شرح ، ولو الطحاوي لم يجز إلا إذا كان كيلا وعرف تساويهما في الكيل قبل التفرق بالأبدان عن مجلس العقد فإنه يجوز البيع ، وكذلك إذا باع الثمار بعضها ببعض مجازفة لا يجوز لأن القسمة بمنزلة البيع إلا إذا علم تساويهما في الكيل قبل التفرق ، ولو بيع بعضها ببعض وزنا متساويا لا يجوز لأن من شرط جواز التسوية الكيل ، ولا يدرى ذلك ، وعن كان ثمر بين اثنين اقتسماه مجازفة إذا غلب استعمال الناس بالوزن يصير وزنيا ، ويجوز ، ويعتبر التساوي وزنا ، وإن كان أصله كيليا ، وأما أبي يوسف فلما روينا أن اسم التمر يتناوله فيجوز بيعه مثلا بمثل ، ولو بيع الرطب بالرطب لا يجوز التفاضل فيه لأنه تمر بخلاف الكفرى حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر لأنه ليس بتمر ، ولذا لا يجوز السلم فيه ، والكفرى بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء مقصورا اسم لوعاء الطلع ، وهو كم النخل أول ما ينشق ، وأما الثانية ، وهي باع البسر بالتمر فعلى الاختلاف السابق ، وقيل لا يجوز اتفاقا كالمقلية بغيرها ، والمطبوخة بغير المطبوخة ، ولو بيع العنب بالزبيب جاز ، وكذا لو باع حنطة رطبة أو مبلولة أو يابسة جاز عندهما خلافا باع تمرا منقعا أو زبيبا منقعا بتمر مثله أو زبيب مثله أو باليابس منهما [ ص: 146 ] . لمحمد
( قوله واللحوم المختلفة بعضها ببعض متفاضلا ، ولبن البقر والغنم ، وخل الدقل بخل العنب ) لأن أصولها أجناس مختلفة حتى لا يضم بعضها إلى بعض في الزكاة ، وأسماؤها أيضا مختلفة باعتبار الإضافة كدقيق الشعير والبر ، والمقصود أيضا يختلف ، والمعتبر في الاتحاد المعنى الخاص دون العام ، ولو اعتبر العام لما جاز بيع شيء بشيء أصلا ، قيد بالمختلفة لأن غيرها لا يجوز متفاضلا كلحم البقر والجاموس أو لبنهما أو لحم المعز والضأن أو لبنهما أو لحم العراب ، والبخاتي لاتحاد الجنس بدليل الضم في الزكاة للتكميل فكذا أجزاؤهما ما لم يختلف المقصود كشعر المعز ، وصوف الضأن أو ما يتبدل بالصنعة لاختلاف المقاصد ، ولذا جاز وكذا بيع الخبز بالحنطة متفاضلا وإنما جاز بيع الزيت المطبوخ بغير المطبوخ أو الدهن المربى بالبنفسج بغير المربى منه متفاضلا وإن كان من جنس واحد لم يتبدل بالصنعة لكونه غير موزون عادة فلم يكن مقدارا فلم توجد العلة فحاصله أن الاختلاف باختلاف الأصل أو المقصود أو تبدل الصنعة ، وفي فتح القدير ، وينبغي أن يستثنى من لحوم الطير الدجاج ، والإوز فإنه يوزن في عادة ديار أهل بيع لحم الطير بعضه ببعض متفاضلا مصر بعظمه ، والدقل رديء التمر ، ويجوز ، وكذا عصيرهما لاختلاف أصلهما جنسا ، وتخصيص الدقل باعتبار العادة لأن الدقل هو الذي كان يتخذ خلا في العادة ا هـ . خل التمر بخل العنب متفاضلا
والحاصل أن ما يوجب اختلاف الأمور ثلاثة اختلاف الأصول ، واختلاف المقاصد ، وزيادة الصنعة ، ومنها جواز بيع إناء صفر أو حديد أحدهما أثقل من الآخر ، وكذا قمقمة بقمقمتين ، وإبرة بإبرتين ، وخوذة بخوذتين ، وسيف بسيفين ، ودواة بدواتين ما لم يكن شيء من ذلك من أحد النقدين فيمتنع التفاضل ، وإن اصطلحوا بعد الصياغة على ترك الوزن ، والاقتصار على العد ، والصورة كذا في فتح القدير قوله وإن كانت كلها من الضأن لأنها أجناس مختلفة لاختلاف الأسماء ، والصور ، والمقاصد . ( وشحم البطن بالألية أو باللحم ) أي يصح بيعها متفاضلا
[ ص: 145 ]