الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وتوقف مبايعته وعتقه وهبته فإن آمن نفذ وإن هلك بطل ) بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم إملاكه قبل ردته وهذا عند الإمام وقالا هو جائز مطلقا لأن الصحة تعتمد الأهلية وهي موجودة لكونه مخاطبا والنفاذ يعتمد الملك وهو موجود لقيامه قبل موته إلا أن عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عوده إلى الإسلام وعند محمد كما تصح من المريض لأنه يفضي إلى القتل ظاهرا وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك [ ص: 144 ] وتوقف التصرفات بناء عليه فصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤسر فتتوقف تصرفاته لتوقف حاله حيث كان للإمام الخيار بين استرقاقه وقتله فإن قتل أو أسر لم تنفذ منه هذه أو أسلم لم يؤخذ له مال فكذا هذا وفي الأهلية خلل لاستحقاقه القتل لبطلان سبب العصمة بخلاف الزاني وقاتل العمد لأن استحقاق القتل جزاء على الجناية قال أبو اليسر ما قالاه أحسن لأن المرتد لا يقبل الرق والقهر يكون حقيقيا لا حكميا والملك يبطل بالقهر الحكمي لا الحقيقي ولهذا المعنى لا يبطل ملك المقضي عليه بالرجم وحاصل مراده أن المنافي للملك الاسترقاق ليس غير لكنه ممنوع عند أبي حنيفة بل نقول إنما أوجب استرقاق ذلك في الأصل للقهر الكائن بسبب حرابته وهو موجود في المرتد فيثبت فيه ذلك بطريق الأولى لأن الرق يتصور معه ملك النكاح بخلاف قهر المرتد كذا في فتح القدير أطلق المبايعة فشملت البيع والشراء والإجارة لأنها بيع المنافع وأشار بالعتق إلى ما هو من حقوقه كالتدبير والكتابة فهما موقوفان أيضا لكن لا يدخل الاستيلاد لأنه منه نافذ اتفاقا لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك حتى صح في جارية الابن وأشار بالهبة إلى كل تمليك هو تبرع فدخلت الوصية فإنها موقوفة أيضا .

                                                                                        ولما كان الرهن من المعاوضات في المال كالبيع كان داخلا فتوقف رهنه أيضا ولما كان قبض الدين مبادلة حكما دخل تحت المبايعة فتوقف قبضه الدين أيضا .

                                                                                        والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا وهي خمسة النكاح والذبيحة والصيد بالكلب والبازي والرمي والإرث والشهادة وما لا يعتمد الملة ولاية ولا حقيقة ملك فإنه صحيح منه اتفاقا وهي خمس أيضا الاستيلاد والطلاق وقبول الهبة وتسليم الشفعة والحجر على عبده المأذون وصورة الاستيلاد ما في الخانية إذا جاءت جاريته بولد فادعى الولد يثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته وتصير الجارية أم ولد له ا هـ .

                                                                                        وأورد كيف يقع طلاقه وقد بانت بردته وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة وأورد طلب الفرق بين طلاقه وعتقه والفرق أن الطلاق لا يعتمد كمال الولاية بخلاف العتق بدليل وقوع طلاق العبد دون عتقه وفي الخانية وإذا أعتق المرتد عبده ثم أعتقه ابنه المسلم وليس له وارث سواه لا يجوز عتق واحد منهما لأن الابن إنما يرث بعد الموت لا قبله وإعتاقه سابق على ملكه فلا يعتق وهو بخلاف ما إذا مات الرجل وترك عبدا وتركته مستغرقة بالدين فأعتقه الوارث ثم سقط دين الغرماء فإنه ينفذ إعتاق الوارث لأن ثمة سبب الملك للوارث تام وإنما توقف الملك لحق الغرماء فإذا سقط حق الغرماء فإن إعتاق الوارث ينفذ وأما في المرتد سبب الملك للوارث إنما يتم بعد موت المرتد ا هـ .

                                                                                        ولا يمكن توقف التسليم لأنها بطلت به مطلقا وأما الحجر فيصح بحق الملك فبحقيقة الملك الموقوف أولى وفي المحيط في مسألة عتقه وإعتاق ابنه أنه على الرواية التي عند أبي حنيفة يعتبر كونه وارثا وقت الردة فيجب أن ينفذ عتقه لأنه يملكه من وقت الردة ا هـ .

                                                                                        وقد يقال أنه إنما يملكه من وقت الردة على تلك الرواية إذا مات أو قتل والكلام هنا قبله وأما ما يعتبر المساواة من التصرف أو ولاية متعدية فإنه لا ينفذ منه اتفاقا فالأول المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا إن أسلم نفذت وإن هلك بطلت وتصير عنانا من الأصل عندهما وتبطل عنده كذا في الخانية والثاني التصرف على ولده الصغير وفي مال ولده [ ص: 145 ] موقوف اتفاقا فقد ظهر أن تصرفاته على أربعة أقسام ولم أر حكم التقاطه لقيطا أو لقطة وفي غاية البيان من باب الاستيلاد الجد إذا وطئ جارية ابن ابنه والأب مرتد فادعاه الجد بعد الولادة لم تصلح دعوى الجد عندهما وعند أبي حنيفة موقوفة فإن أسلم الأب لم تصح دعوى الجد وإن مات على الردة أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه تصح ا هـ .

                                                                                        وهذه لا ترد على ما في الكتاب لأنها تصرف المسلم وهو الجد لا تصرف المرتد وقيد بالمرتد لأن تصرفات المرتدة نافذة عند الكل لأنها لا تقتل وقد قدمناه مع بيان تصرفات المكاتب المرتد وأطلق الهلاك فشمل الحقيقي بالموت أو القتل والحكمي بالقضاء بلحاقه بدار الحرب كما في الخانية وعبر بالإيمان في قوله فإن آمن وأراد الإسلام فإنه المراد هنا كما عبر به في الهداية والخانية فإنه الانقياد الظاهر الذي تبتنى عليه الأحكام .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فدخلت الوصية في حال ردته ) قال في الفتح وأما ما أوصى به في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل مطلقا من غير فرق بين ما هو قربة وغير قربة ومن غير ذكر خلاف وذكر الولوالجي أن الإطلاق قوله وقولهما أن الوصية بغير القربة لا تبطل لأن لبقاء الوصية حكم الابتداء وابتداء الوصية بغير القربة بعد الردة عندهما يصح وعنده يتوقف فكذا هنا قيل أراد بالوصية بغير القربة الوصية للنائحة والمغنية وقال الطحاوي لا تبطل فيما لا يصح الرجوع عنه وحمل إطلاق محمد لبطلان الوصية على وصية يصح الرجوع عنها ووجه البطلان مطلقا أن تنفيذ الوصية لحق الميت ولا حق له بعد ما قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فكان ردته كرجوعه عن الوصية فلا يبطل ما لا يصح الرجوع عنه كالتدبير ( قوله وتسليم الشفعة ) مفهومه أنه يثبت له طلب الشفعة وفي شرح السير الكبير ولو بيع دار بجنب دار المرتد قبل لحوقه بدار الحرب وطلب أخذها بالشفعة فله ذلك في قول محمد وفي قول أبي حنيفة لا شفعة له حتى يسلم بخلاف المرتدة ولو علم بالبيع في حال ردته فلم يسلم ولم يطلب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد التمكن بأن يسلم ا هـ .

                                                                                        ( قوله يلحقها الصريح في العدة ) أي ولو كان بائنا معنى كالطلاق الثلاث أو على مال ( قوله ولا يمكن توقف التسليم ) [ ص: 145 ] أي تسليم الشفعة وقوله لأنها أي الشفعة بطلت به أي بالتسليم مطلقا أي ولو غير مرتد تأمل ( قوله فقد ظهر أن تصرفاته على أربعة أقسام ) نظمها العلامة المقدسي في شرحه فقال

                                                                                        وباتفاق صح دعوى ولده كذا طلاقه وحجر عبده وهكذا قبوله لهبته
                                                                                        وهكذا تسليمه لشفعته وباطل بالاتفاق نكحه
                                                                                        وهكذا ميراثه وذبحه وأوقفوا مفاوضات شركته
                                                                                        تصريفه لطفله وطفلته

                                                                                        انتهى ولعله سقط بيت إذ لم يستوف الباطل بأقسامه الخمسة وقد غيرت بيته الثالث فقلت وباطل نكاحه شهادته وصيده وارثه ذبيحته ( قوله ولم أر حكم التقاطه لقيطا ) أو لقطة قال في النهر وبقي إيداعه واستيداعه وأمانه وعقله ولا شك في عدم صحة أمانه إذ أمان الذمي يصح فهذا أولى وكذا عقله لأن التناصر لا يكون بالمرتد وأما التقاطه ولقطته وإيداعه واستيداعه فلا ينبغي التردد في جوازها منه .




                                                                                        الخدمات العلمية