الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن حكم بلحاقه عتق مدبروه وأم ولده وحل دينه ) لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء وهو باتفاق الإمام وصاحبيه كما في الجوهرة وإذا تقرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به من عتق المدبر وأم الولد وسقوط الأجل كما في الموت الحقيقي والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا من عتق مدبريها وحلول دين عليها ولم يذكر قسمة ماله بين ورثته لظهوره ولما سيشير إليه عند قوله فما وجده في يد وارثه ولم يذكر حكم مكاتبه وحكمه كما في البدائع أنه يؤدي إلى الورثة فيعتق وإذا عتق فولاؤه للمرتد لأنه المعتق ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى بعلامة حس ظ القضاء باللحاق ليس بشرط وإنما يشترط قضاؤه بشيء من أحكام الموتى وعامتهم على أنه يشترط القضاء باللحاق سابقا على قضائه بهذه الأحكام وإليه أشار محمد في كثير من المواضع ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير وإذا صار اللحاق كالموت لا أنه حقيقة الموت لا يستقر حتى يقضي به سابقا على القضاء بشيء من هذه الأحكام المذكورة في الصحيح لا أن القضاء بشيء منها يكفي بل يسبق القضاء باللحاق ثم تثبت الأحكام المذكورة ا هـ .

                                                                                        وظاهرهما أن القضاء باللحاق قصدا صحيح وينبغي أن لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد وقد قالوا أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل كما في جامع الفصولين والبزازية واللحاق موت حكما فينبغي أن لا يدخل تحت القضاء قصدا فينبغي أنه لو حكم بعتق مدبره لثبوت لحاقه مرتدا ببينة عادلة فإنه صحيح ولا يشترط له تقدم الحكم بلحاقه ولم أر إلى الآن من أوضح هذا المحل وقوله عتق مدبروه معناه من ثلث ماله وإنما لم يصرح به لما تقدم في باب التدبير وقوله في الجوهرة بعد عتق المدبر وأم الولد يعني من الثلث تسامح لأن أم الولد تعتق من جميع المال كما علم في بابها ثم اختلف الشيخان في الوقت الذي يعتبر فيه كونه وارثا له فقال أبو يوسف يقضى به لمن كان وارثا وقت القضاء بلحاقه لأنه حينئذ يصير موتا وقال محمد يعتبر وقت لحاقه لأنه السبب كذا في المجتبى وفي التتارخانية وإذا ارتد الأب مع بعض أولاده ولحقوا بدار الحرب فرفع ميراث المرتد إلى الإمام فإنه يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين ولا شيء من ميراثه للذي ارتد من أولاده هذا في كسب الإسلام وأما كسب الردة ففيء عند الإمام وأما ما اكتسبه في دار الحرب فهو للابن الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا فإن لحق أحد من أولاده مسلما معه فإنه يرث كسب إسلامه فقط ا هـ .

                                                                                        [ ص: 143 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 143 ] ( قوله وظاهرهما أن القضاء باللحاق قصدا صحيح ) قال في النهر ليس معنى الحكم بلحاقه سابقا على هذه الأمور أن يقول ابتداء حكمت بلحاقه بل إذا ادعى مدبر مثلا على وارثه أنه لحق بدار الحرب مرتدا وأنه عتق بسببه وثبت ذلك عند القاضي حكم أولا بلحاقه ثم بعتق ذلك المدبر كما يعرف ذلك من كلامهم تدبر ا هـ .

                                                                                        قال أبو السعود ومقتضى قوله حكم أولا بلحاقه إلخ أن الحكم بعتق المدبر لا يكفي عن الحكم باللحاق بل لا بد من الحكم باللحاق قبل الحكم بعتق المدبر وهو خلاف ما في البحر ا هـ .

                                                                                        ثم رأيت في شرح المقدسي ما يؤيد ما في النهر حيث قال ما قاله المحقق في فتح القدير في غاية التحرير وفيه رد على ما في المجتبى فالمراد أنه لا بد من وجود القضاء باللحاق لأنه شرط لتلك الأحكام والشرط لا بد من تحققه ليتحقق المشروط فإذا أراد القاضي الحكم بشيء من هذه الأحكام بدعوى ممن يتعلق به الحكم كالمدبر مثلا فيقضى أولا باللحاق ثم بالحكم المدعى لوجود تقدم الشرط على المشروط وليس معناه ما يتوهم ظاهرا أنه يقضى أولا باللحاق مستقلا بلا دعوى حكم من أحكامه وله نظير مذكور في محله ا هـ .

                                                                                        ( قوله وقال محمد يعتبر وقت لحاقه ) قدمنا عن شرح السير الكبير

                                                                                        [ ص: 144 ] أن هذا ظاهر الرواية وأنه الأصح .




                                                                                        الخدمات العلمية