الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت يقع واحدة ، وإن أخر الشرط فثنتان ) بأن قال : أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار وهذا عند أبي حنيفة وقالا يقع ثنتان فيهما ونسب لأبي حنيفة القول بأن الواو للترتيب أخذا من قوله بوقوع الواحدة فيما إذا قدم الشرط لأنها لو كانت للجمع لتعلق الكل وليس بصحيح بل إنما قال بالواحدة لأن موجب هذا الكلام عنده تعلق المتأخر بواسطة المتقدم فينزلن كذلك فيسبق الأول فتبطل محليتها ، وتوضيحه أن الأول تعلق قبل الثاني لعدم ما يوجب توقفه وتعلق الثاني بواسطته ، والثالث بواسطتهما فينزل على الوجه الذي وقع عليه التعليق بخلاف ما إذا كرر الشرط لأن تعلق الثاني بغير شرط الأول ليس بواسطة الأول لأن كلا جملة مستقلة فتعلق بالشرط الواحد طلقات ليس شيء منها بواسطة شيء فينزلن جميعا عند الشرط بخلاف ما إذا أخر الشرط لأن تأخره موجب لتوقف الأول لأنه مغير فتعلق الكل به دفعة فينزل دفعة ونسب إليهما القول بأنها للمعية أخذا من قولهما بوقوع الثنتين وليس بصحيح بل قالا بعدما اشتركت في التعلق بواسطة أن تنزل دفعة لأن نزول كل حكم الشرط فتقترن أحكامه كما في تعدد الشرط قال في فتح القدير : قولهما أرجح وقول الإمام تعلق الثاني بواسطة تعلق الأول إن أريد أنه علة تعلقه فممنوع بل علته جميع الواو إياه أي الشرط ، وإن أريد كونه سابق التعلق سلمناه ولا يفيد كالأيمان المتعاقبة ولو سلم أن تعلق الأول علة لتعلق الثاني لم يلزم كون نزوله علة لنزوله إذا لا تلازم فجاز كونه علة لتعلقه فيتقدم في التعلق [ ص: 320 ] وليس نزوله علة لنزوله بل إذا تعلق الثاني بأي سبب كأن صار مع الأول متعلقين بشرط وعند نزول الشرط ينزل المشروط ا هـ .

                                                                                        وهذا كله تقرير الأصول ، وأما تقرير الفروع فوجه قول الإمام أن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده ، ولو نجزه حقيقة لم يقع الثانية بخلاف ما إذا أخر الشرط لوجود المغير كذا ذكر الشارح وحاصل ما في الهداية : أن الواو لمطلق الجمع لا تصدق إلا في ضمن معية أو ترتيب فعلى اعتبار المعية يقع الكل وعلى اعتبار الترتيب لا يقع إلا واحدة فلا يقع الزائد بالشك وهو أقرب ما وجه به قول الإمام قيد بالواو لأنه لو عطف بالفاء وقدم الشرط وقعت واحدة اتفاقا على الأصح للتعقيب ، ولو عطف بثم وأخر الشرط وقعت واحدة منجزة ولغا ما بعدها ، وإن كانت مدخولا بها تعلق الأخير وتنجز ما قبله ، وإن تقدم الشرط تعلق الأول وتنجز الثاني فيقع المعلق عند الشرط بعد التزويج الثاني ولغا الثالث ، وفي المدخول بها تعلق الأول ونجز ما بعده وعندهما تعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره إلا عند وجود الشرط تطلق المدخول بها ثلاثا وغيرها واحدة بناء على أن أثر التراخي يظهر في التعليق عنده فكأنه سكت بين كل كلمتين وعندهما يظهر في الوقوع عند نزول الشرط لا في التعليق .

                                                                                        والحاصل أن الحروف ثلاثة وكل على وجهين تقديم الشرط وتأخيره ففي الفاء ، والواو يقع واحدة إن قدمه واثنتان إن أخره ، وفي ثم إن قدم الشرط تعلق الأول وتنجز الثاني ولغا الثالث .

                                                                                        وإن أخره تنجز الأول ولغا ما بعده وقيد بحرف العطف لأنه لو ذكر بغير عطف أصلا نحو إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة واحدة واحدة ففي فتح القدير يقع واحدة اتفاقا عند وجود الشرط ويلغو ما بعده لعدم ما يوجب التشريك وأشار المصنف إلى أنه لو قال لغير المدخولة إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك فدخلت طلقت وسقط الظهار ، والإيلاء عنده لسبق الطلاق فتبين فلا تبقى محلا لما بعده وعندهما هو مطلق مظاهر مول وإلى أنه لو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك وتزوجها فعلى الخلاف بخلاف ما لو قدم الظهار ، والإيلاء وقع الكل عند الكل أما عندهما فظاهر وأما عنده فلسبق الإيلاء ثم هي بعده محل للظهار ثم هي بعدهما محل للطلاق فتطلق كذا في فتح القدير وإلى أنه لو قال لامرأة : يوم أتزوجك فأنت طالق وطالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة وبطلت الثنتان ، ولو قال أنت طالق وطالق وطالق يوم أتزوجك وقعت الثلاث كذا في الحاوي القدسي وكذا لو قال : إن تزوجتك كما في المحيط .

                                                                                        وفي تلخيص الجامع من أول كتاب الإيمان لو قال : ثلاثا لغير المدخولة إن كلمتك فأنت طالق انحلت الأولى بالثانية لاستئناف الكلام بخلاف فاذهبي يا عدوة الله لكن عند زفر بالشرط [ ص: 321 ] كما لو اقتصر فعلت الثانية وعندنا بالجزاء فانعقدت إذ الجملة واحدة وإلا نزل اثنان على المدخولة بتكرير كلما كلمك فأنت طالق وانحلت بالثانية لا إلى جزاء ولغت هي بعدم الملك ، وفي إن حلفت بطلاقك لا تنحل اليمين الثانية إلا بتعليق طلاقها بالملك أو بعده إذ الشرط إدخالها في الجزاء كذا في تعليق طلاقها ومدخولة بالحلف بطلاقهما إنما تنحل الثانية بتعليق طلاقها بالملك أو بعده إذ الثالثة أنعقدت على المدخولة حسب فكانت الثالثة شطر الشرط وذا في حق الثالثة شطر أيضا فلا تنحل ما لم يحلف بطلاق المدخولة وهي البردعية ا هـ .

                                                                                        يعني : أن هذه المسألة تلقب بالبردعية لأن أبا سعيد البرادعي بعدما تفقه ودرس سئل عنها فلم يهتد إلى جوابها فارتحل إلى بغداد وتعلم سبع سنين حتى صار من كبار أصحابنا وقيد بغير المدخولة لأن فيها يتعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره ، وفي المحيط لو قال لغير المدخول بها : أنت طالق واحدة لا بل ثلاثا إن دخلت الدار طلقت واحدة للحال وثلاثا إن دخلت الدار لأن قوله أنت طالق واحدة للتنجيز وأراد بقوله لا بل ثلاثا إن دخلت الدار تعليق الثلاث ، والرجوع عن إيقاع الواحدة فلا يصل الشرط المذكور آخرا بإيقاع الواحدة فصح تعليقه ولم يصح رجوعه عن الواحدة ، ولو قدم الشرط فقال : إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل ثلاثا لم تطلق حتى تدخل لأن قوله لا بل ثلاثا غير مستقل تام بنفسه فتعذر أن يجعل تنجيزا فصار تعليقا ا هـ . والله أعلم بالصواب وإليه المرجع ، والمآب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : كالأيمان المتعاقبة ) قال الرملي تفسيره لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم بعد زمان قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت يقع الكل اتفاقا [ ص: 320 ] ( قوله : ولو عطف بثم وأخر الشرط ا ح ) قال الرملي : هذا غلط بلا شبهة ولا صحة لهذا الكلام إلا لو كان التعليق بقوله أنت طالق ثم طالق إن تزوجتك ثم طالق فإنه حينئذ ينجز الأول ويتعلق الثاني ويلغو الثالث لأن بقوله أنت طالق وقع الطلاق وبقوله ثم طالق إن تزوجتك تطلق بالتزوج المعلق عليه الطلاق ولغا الثالث لعدم الإضافة إلى التزويج فتأمل وانظر إلى قوله ، والحاصل أن الحروف ثلاثة إلى آخره ا هـ .

                                                                                        وهذا الاعتراض مبني على ما وقع له من نسخة سقيمة وهي ولو عطف بثم وأخر الشرط تعلق الثاني وتنجز الأول فيقع المعلق عند الشرط بعد النزوح الثاني ولغا الثالث ، وفي المدخول بها تعلق الأول وتنجز ما بعده وعلى ما في عامة النسخ لا اعتراض بل هو الموافق لما في الفتح ، والتبيين ، والنهر وغيرها ( قوله : وقيد بحرف العطف . . . إلخ ) في أيمان البزازية من الثالث في يمين الطلاق إن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق وهي غير ملموسة فالأول معلق بالشرط ، والثاني ينزل في الحال ويلغو الثالث ، وإن تزوجها ودخل الدار نزل المعلق ولو دخل بعد البينونة قبل التزوج انحل اليمين لا إلى جزاء ، ولو موطوءة تعلق الأول ونزل الثاني ، والثالث في الحال ا هـ .

                                                                                        وهذا كما ترى مخالف لما نقله هنا عن الفتح إلا أن يفرق بين واحدة واحدة وبين طالق طالق وهو الظاهر ( قوله : بخلاف فاذهبي يا عدوة الله ) لأن ذكره بفاء العطف يقتضي تعلقه بما سبق فصار الكل كلاما واحدا بخلاف ما لو لم يذكره بالفاء لكن انحلال اليمين الأولى في مسألتنا عند زفر بشرط الثانية وهو قوله : إن كلمتك لأن شرط الحنث مطلق الكلام ، وقد وجد فصار كما لو اقتصر عليه ولم يتلفظ بالجزاء فيصادفها الجزاء وهي مبانة لا إلى عدة فلا تنعقد عليها اليمين الثانية وعند الثلاثة بالجزاء فانعقدت الثانية لأن الجملة الشرطية واحدة ، والمتعارف الكلام المفيد بخلاف ما لو اقتصر على الشرط لأن الكلام يكون تاما وناقصا فإن اقتصر على الناقص علم أنه المراد ، وإن جاوزه إلى التام علم أنه المراد وعلى اختيار ابن الفضل [ ص: 321 ] لا يحنث لو اقتصر وبه يندفع استشهاد زفر ولأن الجملة لو لم تكن واحدة لنزل طلقتان على المدخولة بتكرير كلما طلقتك فأنت طالق لأن قوله ثانيا كلما طلقتك مخاطبة لها وكذلك فأنت طالق خطاب ثان .

                                                                                        فإذا ثبت انعقاد اليمين الثانية انحلت بوجود الثالثة لا إلى جزاء لأن الجزاء يصادفها وهي مبانة فتلغوا الثالثة لعدم الملك ، وقال أبو مطيع وجماعة من مشايخ بلخ : لا ينحل منها شيء إلا بكلام مبتدأ وإليه سبق وهم أبي حنيفة حين سأله محمد في صغره عمن قال ثلاثا والله لا أكلمك وقال يا شيخ انظر حسنا فقال حنث مرتين ، فقال محمد أحسنت وقوله : وفي إن حلفت . . . إلخ أي ، وفيما لو قال ثلاث مرات لغير المدخولة إن حلفت بطلاقك فأنت طالق لا تنحل اليمين الثانية إلا بتعليق طلاقها بالملك بأن يقول إن تزوجتك فأنت طالق أو يتعلق بعد ملك النكاح بأن يتزوجها ، ويقول إن دخلت الدار فأنت طالق لأن شرط الانحلال هنا هو الحلف بطلاقها وذلك بإدخالها في جزاء اليمين الثالثة وهو الطلاق ولا يصح إدخالها فيه لعدم الملك عند وجودها بخلاف الأولى لأن الشرط وهو الكلام يتصور في غير الملك وكذا الحكم في تعليق الرجل طلاق امرأتيه المدخول بها غير المدخول بها بالحلف بطلاقيهما بأن قال لهما ثلاثا : إن حلفت بطلاقيكما فأنتما طالقان إنما تنحل الثانية في حقهما بتعليق طلاق غير المدخول بالملك أو بعده بشرط آخر كما مر لأن اليمين الثالثة التي هي شرط انحلال الثانية إنما انعقد على المدخولة خاصة لأن الشرط في انحلال الثانية الحلف بطلاقهما وذلك بإدخالهما في جزاء الثالثة وهو الطلاق ولم يمكن إدخال غير المدخولة فيه لعدم الملك كما مر فكانت الثالثة في حق انحلال الثانية شطر الشرط لا كله فلا يؤثر في انحلال شيء فإذا علق بعده طلاق غير المدخول بالملك أو بعد بشرط آخر كمل الشرط فتطلق كل طلقة أخرى مع التي وقعت بانحلال اليمين الأولى .

                                                                                        وقوله : وذا إشارة إلى تعليق طلاق غير المدخولة بالملك أو بعده في حق اليمين الثالثة شطر أيضا من شروط الانحلال في حق المدخولة لأن الثالثة منعقدة في حقها خاصة إلا أن شرط وقوع الطلاق عليها الحلف بطلاقيهما وقد وجد الحلف بطلاق غير المدخولة بقي لتمام شرط انحلال الثالثة في حق المدخولة الحلف بطلاقها فلا تنحل ما لم يحلف به وهي في العدة بأن يقول إن دخلت الدار فأنت طالق فحينئذ تطلق ثالثة وبهذا أعني الحلف بطلاق غير المدخولة وجد ثلاثة أشياء انعقاد اليمين عليهما وتمام شرط انحلال اليمين الثانية وشطر شرط الحنث في اليمين الثالثة كذا في شرح الفارسي ملخصا .




                                                                                        الخدمات العلمية