والعبرة فيها بحالة العقد ، نعم ترك الحرفة الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة كما أطلقه [ ص: 256 ] جمع وهو واضح إن تلبس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليها أصلا ، وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعير بها ، وقد بحث ( وخصال الكفاءة ) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمس ابن العماد والزركشي أن الفاسق إذا تاب لا يكافئ العفيفة ، وصرح ابن العماد في موضع آخر بأن الزاني المحصن وإن تاب وحسنت توبته لا يعود كفء كما لا تعود عفته وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى وبأن المحجور عليه بسفه ليس بكفء للرشيدة وبما تقرر من أن العبرة بحالة العقد علم أن طروء الحرفة الدنيئة لا يثبت الخيار وهو الأوجه لأن الخيار في النكاح بعد صحته لا يوجد إلا بالأسباب الخمسة الآتية في بابه وبالعتق تحت رقيق وليس طروء ذلك واحدا من هذه ولا في معناها وأما قول الإسنوي ينبغي الخيار إذا تجدد الفسق فمردود كما قاله الأذرعي وابن العماد وغيرهما نعم طروء الرق يبطل النكاح وقول الإسنوي تتخير به وهم أحدها ( سلامة ) للزوج ( من العيوب المثبتة للخيار ) فمن به جنون ، أو جذام ، أو برص لا يكافئ ولو من بها ذلك وإن اتحد النوع وكان ما بها أقبح لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه ، أو جب أو عنة على المعتمد لا يكافئ ولو رتقاء ، أو قرناء .
أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر كعمى وقطع أطراف وتشوه صورة خلافا لجمع متقدمين ، بل قالالقاضي يؤثر كل ما يكسر سورة التوقان والروياني ليس الشيخ كفء للشابة واختير وكل ذلك ضعيف لكن ينبغي مراعاته ، بخلاف زعم قوم رعاية البلد فلا يكافئ جبلي بلديا فلا يراعى لأنه ليس بشيء كما في الروضة وظاهر ما مر أن التنقي من العيوب معتبر في الزوجين خاصة دون آبائهما فابن الأبرص كفء لمن أبوها سليم ذكره الهروي في الإشراف والأقرب خلافه فلا يكون كفء لها لأنها تعير به ( و ) ثانيها ( حرية ، فالرقيق ) أي من به رق وإن قل ( ليس كفؤا لحرة ) ولو عتيقة ولا لمبعضة لأنها مع تعيرها به تتضرر بإنفاقه نفقة المعسرين ( والعتيق ليس كفؤا لحرة أصلية ) لنقصه عنها ، ووجود نحو امرأة ، أو ملك فيه لا ينفي عنه وصمة الرق فاندفع ما لكثير من [ ص: 257 ] المتأخرين هنا ، وكذا لا يكافئ من عتق بنفسه من عتق أبوها ولا من مس الرق أحد آبائه ، أو أبا له أقرب من لم يمس أحد آبائها ، أو مس لها أبا أبعد ولا أثر لمسه الأم ( و ) ثالثها ( نسب ) والعبرة فيه بالآباء كالإسلام فلا يكافئ من أسلم بنفسه ، أو له أبوان في الإسلام من أسلمت بأبيها ، أو كان لها ثلاثة آباء فيه ، وما لزم عليه من أن الصحابي لا يكون كفء لابنة التابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي من أن بعض خصال لا يقابل ببعض فاندفع ما للأذرعي هنا واعتبر النسب في الآباء لأن العرب تفتخر به فيهم دون الأمهات
فمن انتسبت لمن تشرف به لا يكافئها من لم يكن كذلك وحينئذ ( فالعجمي ) أبا وإن كانت أمه عربية ( ليس كفء عربية ) وإن كانت أمها عجمية لأن الله تعالى اصطفى العرب على غيرهم وميزهم عنهم بفضائل جمة كما صحت به الأحاديث ( ولا غير قرشي ) من العرب ( قرشية ) أي كفء قرشية لأن الله تعالى اصطفى قريشا من كنانة المصطفين من العرب كما يأتي ( ولا غير هاشمي ومطلبي ) كفء ( لهما ) لخبر { كنانة ، واصطفى من كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم } وصح خبر { إن الله اصطفى من العرب وبنو المطلب شيء واحد } فهما متكافئان ، نعم أولاد نحن منهم لا يكافئهم غيرهم من بقية فاطمة بني هاشم لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها كما صرحوا به ، وبه يرد على من قال إنهم أكفاء لهم كما أطلقه الأصحاب ، وقد يتصور تزويج هاشمية برقيق ودنيء النسب بأن يتزوج هاشمي أمة بشرطه فتلد بنتا فهي ملك لمالك أمها فيزوجها من رقيق ودنيء نسب لأن وصمة الرق الثابت من غير شك ألغت اعتبار كل كمال معه مع كون الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها على ما جزم به الشيخان حتى لا ينافيه قولهما في تزويج أمة عربية نحو عجمي ، الخلاف في مقابلة بعض الخصال ببعض الظاهر في امتناع نكاحها ، وصوبه الإسنوي لأن محل الأول في تزويج المالك والثاني في تزويج الحاكم
( والأصح اعتبار النسب في العجم كالعرب ) قياسا عليهم فالفرس أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط كما قاله الماوردي ، ولا عبرة بالانتساب للظلمة ، بخلاف الرؤساء بإمرة جائزة ونحوها لأن أقل مراتبها أن تكون كالحرف ، وقول [ ص: 258 ] التتمة وللعجم عرف في النسب فيعتبر محمول على غير ما ذكروه مما مر كتقديم بني إسرائيل ، وكذا ما قيس بذلك من اعتبار عرفهم في الحرف أيضا يتعين حمله على غير ما يأتي عنهم من أنه رفيع ، أو دنيء وإلا لم يعتبر بعرف لهم ولا لغيرهم ، خالف ما ذكره الأئمة لأنهم أعلم بالعرف وهو بعد أن عرفوه وقرروه لا نسخ فيه .
والثاني لا يعتبر فيهم لأنهم لا يعتنون بحفظ الأنساب ولا يدونونها بخلاف العرب ( و ) رابعها ( عفة ) عن الفسق فيه وفي آبائه ( فليس فاسق ) ولو ذميا فاسقا في دينه كما صرح به ابن الرفعة ، أو مبتدع ولا ابن أحدهما وإن سفل ( كفء عفيفة ) أو سنية كما نقلاه عن الروياني وأقراه لقوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } وغير الفاسق ولو مستورا كفء لهما وغير مشهور بالصلاح كفء للمشهورة به وفاسق كفء لفاسقة مطلقا إلا إن زاد فسقه ، أو اختلف نوعهما كما بحثه الإسنوي ، ومنازعة الزركشي مردودة بظهور الفرق ويجرى ذلك في كل مبتدع ومبتدعة
( و ) خامسها ( حرفة ) فيه ، أو في أحد من آبائه وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها ، وقد يؤخذ منه أن من باشر صنعة دنيئة لا على جهة الحرفة بل لنفع المسلمين من غير مقابل لا يؤثر ذلك فيه وهو محتمل ، ويؤيده ما يأتي أن من باشر نحو ذلك اقتداء بالسلف لا تنخرم به مروءته ( فصاحب حرفة دنيئة ) بالهمز والمد وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة وسقوط النفس .
قال المتولي : وليس منها نجارة بالنون وتجارة بالتاء .
وقال الروياني : تراعى فيها عادة البلد ، فإن الزراعة قد تفضل التجارة في بلد وفي بلد أخرى بالعكس ، وظاهر كلام غيره أن الاعتبار في ذلك بالعرف العام والمعتبر فيه بلد الزوجة لا بلد العقد لأن المدار على عارها وعدمه وذلك إنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها : أي التي هي بها حالة العقد ، وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف ، [ ص: 259 ] ولعله باعتبار عرف بلده ( ليس ) هو ، أو ابنه وإن سفل ( كفء أرفع منه ) لقوله تعالى { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } أي سببه فبعضهم يصله بعز وسهولة وبعضهم بضدهما ( فكناس وحجام وحارس ) وبيطار ودباغ ( وراع ) ولا ينافي عده هنا ما ورد { } لأن ما هنا باعتبار ما يعرفه الناس وغلب على الرعاء بعد تلك الأزمنة من التساهل في الدين وقلة المروءة ( وقيم حمام ) هو وأبوه ( ليس كفء بنت خياط ) والأوجه أن كل ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة كالجزارة على الأصح ليس كفء الذي حرفته لا مباشرة فيها لها ، وأن بقية الحرف التي لم يذكروا فيها تفاضلا متساوية إلا إن اطرد العرف بتفاوتها كما مر ، ويؤيد ذلك قول بعضهم إن القصاب ليس كفء لبنت السماك خلافا ما من نبي إلا رعى الغنم للقمولي ( ولا خياط ) كفء ( بنت تاجر ) وهو من يجلب البضائع من غير تقييد بجنس منها للبيع
والظاهر أن تعبيرهم بالجلب جرى على الغالب ، كما يدل عليه تعريفهم للتجارة بأنها تقليب المال لغرض الربح ، وأن من له حرفتان دنية ورفيعة اعتبر ما اشتهر به والأغلب الدنية ، بل لو قيل بتغليبها مطلقا لأنه لا يخلو عن تعبيره بها لم يبعد ( أو بزاز ) وهو بائع البز ( ولا هما ) أي كل منهما ( بنت عالم ، أو قاض ) لاقتضاء العرف ذلك ، وظاهر كلامهم أن المراد ببنت العالم والقاضي من في آبائها المنسوبة إليه أحدهما وإن علا لأنها مع ذلك تفتخر به ، والجاهل لا يكون كفء للعالمة كما في الأنوار ، وإن أوهم كلام الروضة خلافه لأن العلم إذا اعتبر في آبائها فلأن يعتبر فيها بالأولى إذ أقل مراتب العلم أن يكون كالحرفة وصاحب الدنيئة لا يكافئ صاحب الشريفة ، وبحث الأذرعي أن العلم مع الفسق لا أثر له إذ لا فخر له حينئذ في العرف فضلا عن الشرع ، وصرح بذلك في القضاء فقال : إن كان القاضي أهلا فعالم وزيادة ، أو غير أهل كما هو الغالب في قضاة زمننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام ففي النظر إليه نظر ، ويجيء فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب ، بل هو أولى منهم بعدم الاعتبار لأن النسبة إليه عار بخلاف الملوك ونحوها ا هـ .
والأقرب أن العلم مع الفسق بمنزلة الحرفة الشريفة فيعتبر من تلك الحيثية ، والأوجه كما بحثه أيضا ونقله غيره عن فتاوى البغوي أن فسق أمه وحرفتها الدنيئة تؤثر هنا أيضا لأن المدار هنا على العرف وهو قاض بذلك وإن كان ظاهر كلامهم خلافه ، [ ص: 260 ] وأفتى الوالد رحمه الله تعالى بأن حافظ القرآن عن ظهر قلب مع عدم معرفة معناه لا يكافئ ابنة من لا يحفظه ( والأصح أن اليسار ) عرفا ( لا يعتبر ) في بدو ولا حضر ولا عرب ولا عجم لأن المال ظل زائل وحال حائل وطود مائل ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر ، وأما خبر { فصعلوك معاوية } فمحمول أولهما على أن حكمته مطابقة الخبر الآخر { الحسب المال ، وأما } الحديث : أي أن الغالب في الأغراض ذلك ، ووكل صلى الله عليه وسلم شأن ذم المال إلى ما عرف من الكتاب والسنة في ذمه ، لا سيما قوله تعالى { تنكح المرأة لحسبها ومالها ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } إلى قوله { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } وقوله صلى الله عليه وسلم { } ومن ثم قال الأئمة : لا يكفي في الخطبة الاقتصار على ذم الدنيا لأنه مما تواصى به منكرو المعاد أيضا . إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب ، ولو سويت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء
وثانيهما على أنه تصح بما يعد عرفا منفرا وإن لم يكن منفرا شرعا فاندفع ما للأذرعي وغيره هنا .
والثاني لا يعتبر لأنه إذا كان معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين بلزوم نفقته لها عند فقد ما يقوم به غيرها ، وعلى الأول لو زوجها وليها بالإجبار بمعسر بحال صداقها عليه ، لم يصح النكاح كما مر ، وليس مبنيا على اعتبار اليسار كما قاله الزركشي بل لأنه بخسها حقها ، فهو كما لو زوجها من غير كفء ، ولا يعتبر الجمال والبلد .
قال في الروضة : وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا .
قال الأذرعي : وفيما إذا أفرط القصر في الرجل نظر ، وينبغي أن لا يجوز للأب تزويج ابنته ممن هو كذلك فإنه مما تتعير به المرأة ( و ) الأصح ( أن بعض الخصال ) المعتبرة في الكفاءة ( لا يقابل ببعض ) أي إذ لا تجبر نقيصة بفضيلة ، فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ، ولا سليمة من العيوب دنيئة بمعيب نسيب ، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف ، ومقابل الأصح أن دناءة نسبه تنجبر بعفته الظاهرة ، وأن الأمة العربية يقابلها الحر العجمي وما حكاه الشارح عن الإمام من أن التنقي من الحرف الدنيئة يعارضه الصلاح وفاقا واليسار إن اعتبر يعارض بكل [ ص: 261 ] خصلة غيره مبني على مقابل الأصح .
وصورة ذلك أنه لو كان أبوها سالما من الحرف الدنيئة وأبوه غير سالم منها لكنه صالح جبر الصلاح جميع ما ذكر وكان كفء لها ( وليس له ) أي الأب ( تزويج ابنه الصغير أمة ) لأنه مأمون العنت ، بخلاف المجنون يجوز تزويجه بها بشرط ( وكذا معيبة ) بعيب يثبت الخيار فلا يصح النكاح ( على المذهب ) لأنه خلاف الغبطة ، وفي قول يصح ويثبت له الخيار إذا بلغ ، وقطع بعضهم بالبطلان في تزويجه الرتقاء والقرناء لأنه بذل مال في بضع لا ينتفع به ، بخلاف تزويج الصغيرة مجبوبا ، وإن زوج المجنون ، أو الصغير عجوزا ، أو عمياء ، أو قطعاء ، أو الصغيرة بهرم ، أو أعمى ، أو أقطع فوجهان ، أصحهما كما قاله البلقيني وغيره عدم الصحة في صورة المجنون والصغير ، ونقلوه عن نص الأم لأنه إنما يزوجهما بالمصلحة ، وهي منتفية في ذلك بل عليهما ضرر فيه ، وقضية كلام الجمهور في الكلام على الكفاءة تصحيح الصحة في صور الصغيرة لأن وليها إنما يزوجها بالإجبار من الكفء وكل من هؤلاء كفء ، فالمأخذ في هذه وما قبلها مختلف ، إذ الملحظ ثم العار وهنا المصلحة ، ولأن تزويجها يفيدها وتزويجه يغرمه فاحتيط له أكثر وهذا هو الأوجه ، لكن يظهر حرمة ذلك عليه أخذا مما مر في شروط الإجبار ( ويجوز ) تزويجه ( من لا يكافئه بباقي الخصال في الأصح ) لأن الرجل لا يتعير باستفراش من لا تكافئه ، نعم يثبت له الخيار إذا بلغ كما اقتضاه كلام الشارح والروضة وإن نازع في ذلك الأذرعي فقد صرحا به في أول الخيار وحيث قالا لو زوج الصغير من لا تكافئه وصححناه فله الخيار إذا بلغ .
والثاني لا يصح ذلك لأنه قد لا تكون له فيه غبطة .