[ ص: 199 ] الفرق بين الإيتاء والإعطاء
وهناك ، قال فرق بين الإيتاء والإعطاء في القرآن : " إن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله ، لأن الإعطاء له مطاوع ، يقال : أعطاني فعطوت ، ولا يقال في الإيتاء : آتاني فأتيت ، وإنما يقال : آتاني فأخذت ، والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الذي لا مطاوع له ، لأنك تقول : قطعته فانقطع ، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول المحل ، لولاه لما ثبت المفعول ، ولهذا يصح : قطعته فما انقطع ، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك ، فلا يجوز أن يقال : ضربته فانضرب أو ما انضرب ، ولا قتلته فانقتل أو ما انقتل ، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل ، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها ، فالإيتاء إذن أقوى من الإعطاء " . الجويني
ولهذا شواهده ، فقد قال تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، لأن الحكمة إذا ثبتت في المحل دامت ، وهي عظيمة الشأن ، وقال : آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، وقال : إنا أعطيناك الكوثر ; لأن بعد الكوثر منازل أعلى ، حيث يكون الانتقال إلى ما هو أعظم منه في الجنة ، وقال : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ; لأن الجزية موقوفة على قبول منا ، وهم لا يؤتونها إيتاء عن طيب قلب ، وإنما عن كره ، وقد عبر بالإيتاء في جانب المسلمين بالنسبة إلى الزكاة ، وفي ذلك : إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون إعطاؤه للزكاة بقوة ، لا يكون كإعطاء الجزية . "