حكم التفسير بالرأي
وتفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز تعاطيه ، قال تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم ، وقال صلى الله عليه وسلم : ، وفي لفظ : " من قال في القرآن برأيه -أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار “ . " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ "
[ ص: 343 ] ولهذا تحرج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به ، فقد روي عن عن يحيى بن سعيد : أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال : " إنا لا نقول في القرآن شيئا “ . سعيد بن المسيب
وأخرج : " أن أبو عبيد القاسم بن سلام رضي الله عنه سئل عن الأب في قوله تعالى : أبا بكر الصديق وفاكهة وأبا ، فقال : " أي سماء تظلني ؟ وأي أرض تقلني ؟ إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم “ .
قال : " وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا : من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بنصبه الدلالة عليه ، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه ، بل القائل في ذلك برأيه -وإن أصاب الحق فيه- فمخطئ فيما كان من فعله ، بقيله فيه برأيه ; لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق ، وإنما هي إصابة خارص وظان ، والقائل في دين الله بالظن ، قائل على الله ما لا يعلم ، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده ، فقال : الطبري قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون .
فهذه الآثار وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم من الكلام في التفسير بما لا علم لهم به . أما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير -ولا منافاة- لأنهم تكلموا فيما علموه ، وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل إنسان ، ويكون الأمر أشد نكيرا لو ترك التفسير بالمأثور الصحيح وعدل عنه إلى القول برأيه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا ، بل مبتدعا ; لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه ، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم " .
[ ص: 344 ] وقال : " فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن -الذي إلى علم تأويله للعباد سبيل- أوضحهم حجة فيما تأول وفسر ، مما كان تأويله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون سائر أمته ، من أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه ، أما من جهة النقل المستفيض فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض ، وأما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض ، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته ، وأصحهم برهانا -فيما ترجم وبين من ذلك - مما كان مدركا علمه من جهة اللسان ، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة ، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة ، كائنا من كان ذلك المتأول والمفسر ، بعد أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك ، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة ، والخلف من التابعين وعلماء الأمة “ . "
الطبري