الإسرائيليات
لليهودية ثقافتها الدينية التي تستمد من التوراة . وللنصرانية ثقافتها الدينية التي تستمد من الإنجيل . وقد انضوى تحت لواء الإسلام منذ ظهوره كثير من اليهود والنصارى ، ولهؤلاء وأولئك ثقافتهم الدينية .
وقد اشتمل القرآن على كثير مما جاء في التوراة والإنجيل ولا سيما ما يتعلق بقصص الأنبياء وأخبار الأمم ، ولكن القصص القرآني يجمل القول مستهدفا مواطن العبرة والعظة دون ذكر للتفاصيل الجزئية كتاريخ الوقائع ، وأسماء البلدان والأشخاص ، أما التوراة فإنها تتعرض مع شروحها للتفاصيل والجزئيات ، وكذلك الإنجيل .
وحيث دخل أهل الكتاب في الإسلام فقد حملوا معهم ثقافتهم الدينية من الأخبار والقصص الديني ، وهؤلاء حين يقرءون قصص القرآن قد يتعرضون لذكر التفصيلات الواردة في كتبهم ، وكان الصحابة يتوقفون إزاء ما يسمعون من ذلك ، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ، وقد يدور حوار بينهم وبين أهل الكتاب في شيء من تلك الجزئيات ، ويقبل الصحابة بعض ذلك ما دام لا يتعلق بالعقيدة ولا يتصل بالأحكام ، ثم يتحدثون به ، لما فهموه من الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا [ ص: 345 ] بالله وما أنزل إلينا “ . أي حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، أما ما جاء في الحديث الأول : " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “فهو محمول على ما إذا كان ما يخبرون به محتملا لأن يكون صدقا ، ولأن يكون كذبا ، فلا تعارض بين الحديثين . " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم "
تلك الأخبار التي تحدث بها أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام هي التي يطلق عليها الإسرائيليات من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني ، حيث كان النقل عن اليهود أكثر لشدة اختلاطهم بالمسلمين منذ بدأ ظهور الإسلام . وكانت الهجرة إلى المدينة .
ولم يأخذ الصحابة عن أهل الكتاب شيئا في تفسير القرآن من الأخبار الجزئية سوى القليل النادر . فلما جاء عهد التابعين وكثر الذين دخلوا في الإسلام من أهل الكتاب كثر أخذ التابعين عنهم ، ثم عظم شغف من جاء بعدهم من المفسرين بالإسرائيليات ، قال ابن خلدون : " وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات ، وبدء الخليقة ، وأسرار الوجود ، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى . . . فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم “ .
ولم يكن ، ومنها ما هو فاسد باطل ، لذا كان على من يقرأ في كتبهم أن يتجاوز عما لا طائل تحته ، وألا ينقل منها إلا ما تدعو إليه الضرورة وتتبين صحة نقله ، ويظهر صدق خبره . المفسرون يتحرون صحة النقل فيما يأخذونه من هذه الإسرائيليات
[ ص: 346 ] وأكثر ما يروى من هذه الإسرائيليات إنما يروى عن أربعة أشخاص : هم : ، عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وقد اختلفت أنظار العلماء في الحكم عليهم والثقة بهم ، ما بين مجرح وموثق ، وأكثر الخلاف يدور حول وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج . وكان كعب الأحبار أكثرهم علما ، وأعلاهم قدرا . واعتمده عبد الله بن سلام وغيره من أهل الحديث ، ولم ينسب إليه من التهم ما نسب إلى البخاري كعب الأحبار . ووهب بن منبه
"