[ ص: 188 ] أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم [23]
ثم قال جل وعز بعد أفلا يتدبرون القرآن [24] وقد تقدم وصفهم بالصمم والعمى ، فمن أصح ما قيل في هذا وأحسنه أن المعنى أولئك الذين لعنهم الله فلم ينلهم ثوابا فهم بمنزلة الصم لا يسمعون ثناء حسنا عليهم ولا يبصرون ما يسرون به من الثواب ، فهذا جواب بين . وقد قيل : إنه دعاء ، وقد قيل : إنهم لا يسمعون أي لا يعلمون . وقد تأول بعض العلماء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أبي هريرة أي ليعلم . وتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أهل القليب الذين قتلوا يوم بدر حين خاطبهم فقال : "إن الميت ليسمع خفق نعالهم" ثم أخبر أنهم يسمعون ذلك فتأول صاحب ذلك التأويل على أنهم يعلمونه ، واحتج بقول الله عز وجل ( "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا" إنك لا تسمع الموتى ) وهذا التأويل قد رده جماعة من العلماء على متأوليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل ، وهو القائل والمخبر بعذاب القبر ومساءلة الميت وكذا أكثر أصحابه على ذلك يخبرون بتأدية الأعمال إلى الموتى فالصواب من ذلك أن يقال : إن الله جل وعز يؤدي إلى الموتى من بني "إن الميت ليسمع خفق نعالهم آدم ما شاء على ما شاء ويعذب من شاء ممن يستحق بما يشاء فأما قوله جل وعز ( وما أنت بمسمع من في القبور ) و ( إنك لا [ ص: 189 ] تسمع الموتى ) فليس فيه مخالفة لهذا : وإنما المعنى -والله أعلم- إنك لا تسمع الموتى بقدرتك ولا بقوتك ، ولكن الله جل وعز يسمعهم كيف يشاء ويدل على هذا أن بعده ( وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ) أي لست تهديهم أنت بقدرتك ولكن الله جل وعز يهدي من يشاء بلطفه وتوفيقه .