"أن" في موضع رفع اسم كان و"وحيا" يكون مصدرا في موضع الحال ، كما تقول : جاء فلان مشيا ، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مصدر أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء هذه قراءة أكثر الناس ، وقرأ نافع أو يرسل رسولا بالرفع (فيوحي) بإسكان الياء ، ولا نعلمه يروى إلا عن إلا أنه قال : لم أقرأ حرفا يجتمع عليه رجلان من الأئمة فلهذا قال نافع : قراءة عبد الله بن وهب سنة . قال نافع : فأما القول في نصب "يرسل" و"يوحى" ورفعهما فقد جاء به أبو جعفر عن الخليل بما فيه كفاية لمن تدبره ونمليه نصا كما قال ليكون أشفى . قال سيبويه : سألت سيبويه عن قول الله جل وعز الخليل أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء فزعم أن النصب محمول على "أن" سوى هذه ولو كانت هذه الكلمة على "أن" هذه لم يكن للكلام وجه ، ولكنه لما قال : إلا وحيا كان في معنى إلا أن يوحي وكان "أو يرسل" فعلا لا يجري على "إلا" فأجري على "أن" هذه كأنه قال : إلا أن يوحي أو يرسل؛ لأنه لو قال : إلا وحيا وإلا أن يرسل كان حسنا : وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على "أن" [ ص: 93 ] إذ لم يجز أن يقولوا : أو ألا يرسل فكأنه قال : إلا وحيا أو أن يرسل . وقال الحصين بن حمام المري :
ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسؤك علقما
يضمر "أن" وذلك لأنه امتنع أن يجعل الفعل على لولا فأضمر "أن" كأنه قال : لولا ذاك أو لولا أن أسؤك . وبلغنا أن أهل المدينة يرفعون هذه الآية وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه فكأنه -والله أعلم- قال الله لا يكلم البشر إلا وحيا أو يرسل رسولا أي في هذه الحال . وهذا كلامه إياهم ، كما تقول العرب : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف ، وكلامك القتل ، قال عمرو بن معدي كرب :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
وسألت الخليل رحمه الله عن قول الأعشى :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نزل
[ ص: 94 ] فقال : الكلام ههنا على قولك يكون كذا أو يكون كذا ما كان موضعها لو قال فيه : أتركبون ، لم ينتقض المعنى صار بمنزلة "ولا سابق شيئا" وأما يونس فقال : أرفعه على الابتداء كأنه قال : أو أنتم نازلون ، وعلى هذا الوجه فسر الرفع في الآية كأنه قال : أو هو يرسل رسولا ، كما قال طرفة :
أو أنا مفتدى
وقول يونس أسهل .