[ ص: 561 ] 37- باب: ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة حم عسق
ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: ويستغفرون لمن في الأرض زعم قوم منهم ابن منبه ، ، والسدي ، أنها منسوخة بقوله: ومقاتل بن سليمان ويستغفرون للذين آمنوا ، وهذا قبيح ، لأن الآيتين خبر ، والخبر لا ينسخ ، ثم ليس بين الآيتين تضاد ، لأن استغفارهم للمؤمنين استغفار خاص ، لا يدخل فيه إلا من اتبع الطريق المستقيم ، فأولئك طلبوا الغفران ، والإعاذة من النيران ، وإدخال الجنان .
واستغفارهم لمن في الأرض لا يخلوا من أمرين: إما أن يريدوا به الحلم عنهم والرزق لهم ، والتوفيق ليسلموا ، وإما أن يريدوا به من في الأرض من المؤمنين فيكون اللفظ عاما والمعنى خاصا ، وقد دل على تخصيص عمومه قوله: ويستغفرون للذين آمنوا والدليل الموجب لصرفه عن العموم إلى الخصوص أن الكافر لا يستحق أن يغفر له فعلى هذا البيان [ ص: 562 ] لا وجه للنسخ ، وكذلك ، قال : قتادة ويستغفرون لمن في الأرض ، قال: للمؤمنين منهم ، وقال في الكلام مضمر ، تقديره: لمن في الأرض من المؤمنين ، وقال أبو الحسين بن المنادي : يجوز أن يكون أبو جعفر النحاس أراد أن هذه الآية على نسخ تلك الآية ، لأنه لا فرق بينهما . وهب بن منبه
ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل [ ص: 563 ] قد زعم كثير من المفسرين: أنها منسوخة بآية السيف وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأن المراد: أنا لم نوكلك بهم فتؤخذ بأعمالهم فلا يتوجه نسخ .
ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم للمفسرين في هذه الآية قولان: أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار ، وذلك قبل الأمر بالقتال ثم نزلت آية السيف فنسختها ، قاله الأكثرون وروى ، عن الضحاك ، قال: ابن عباس لنا أعمالنا ولكم أعمالكم مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم ، قال: ثم نسخت بقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية .
وهكذا قال . مجاهد
وأخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا ، قال: أبنا البرمكي محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا الحسين بن علي ، قال: أبنا عامر بن الفرات ، عن أسباط ، عن [ ص: 564 ] " السدي لا حجة بيننا وبينكم ، قال: هذه قبل السيف ، وقبل أن يؤمر بالجزية والقول الثاني: أن معناها: أن الكلام بعد ظهور الحجج والبراهين قد سقط بيننا ، فلم يبق إلا السيف فعلى هذا هي محكمة ، قاله جماعة من المفسرين وهو الصحيح .
ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه هذا محكم ، وقوله: ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها للمفسرين فيه قولان: أحدهما: أنه منسوخ ، بقوله: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد رواه ، عن الضحاك رضي الله عنهما ، وبه قال ابن عباس . مقاتل
[ ص: 565 ] والثاني أنه محكم ، لأنه خبر قاله ، ووجهه ما بيناه في نظيرها في آل عمران عند قوله: قتادة ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها .
ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى للمفسرين فيها قولان: أحدهما: أن هذا الاستثناء من الجنس ، فعلى هذا يكون سائلا أجرا ، وقد أشار في رواية ابن عباس إلى هذا المعنى ، ثم قال: نسخت هذه الآية بقوله: الضحاك قل ما سألتكم من أجر فهو لكم وإلى هذا ذهب . مقاتل
والثاني: أنه استثناء من غير الأول ، لأن الأنبياء لا يسألون عن تبليغهم أجرا ، وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى ، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ، منهم ابن عباس ، طاوس والعوفي .
[ ص: 566 ] " أخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا ابن المذهب ، قال: أبنا أحمد بن جعفر ، قال: أبنا ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل يحيى ، عن ، قال: حدثني شعبة عبد الملك بن ميسرة ، عن ، عن طاوس رضي الله عنهما ، قال: " لم يكن بطن من ابن عباس قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة ، فنزلت: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم هذا هو الصحيح ، ولا يتوجه على هذا نسخ أصلا .
ذكر الآية السادسة: قوله تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون .
اختلفوا في هذه الآية ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف ، وهو مذهب جماعة منهم ابن زيد وكأنهم [ ص: 567 ] يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين ، فلما جاز لنا أن نبدأهم القتال دل على نسخها .
وللقائلين بأنها في المسلمين قولان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله: ولمن صبر وغفر ، فكأنها نبهت على مدح المنتصر ، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح ، فبان وجه النسخ .
والثاني: أنها محكمة لأن الصبر والغفران فضيلة ، والانتصار مباح فعلى هذا تكون محكمة وهو الصحيح .
ذكر الآية السابعة: قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها .
زعم بعض من لا فهم له ، أن هذا الكلام منسوخ بقوله: فمن عفا وأصلح فأجره على الله وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ ، لأن معنى الآية: أن من جازى مسيئا فليجازه بمثل إساءته ، ومن عفا فهو أفضل .
[ ص: 568 ] ذكر الآية الثامنة: قوله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل زعم بعض من لا يفهم ، أنها نسخت بقوله: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ، وليس هذا بكلام من يفهم الناسخ والمنسوخ ، لأن الآية الأولى تثبت جواز الانتصار ، وهذه تثبت أن الصبر أفضل .
[ ص: 569 ] ذكر الآية التاسعة: قوله تعالى: فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ، زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف .
وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأنها ليست بمنسوخة .