قوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (83)
مدح الله تعالى في كتابه من لا يريد العلو في الأرض ولا الفساد، فقال: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا وروى بإسناد فيه نظر عن ابن جرير -، قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: علي - رضي الله عنه تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (83) . وكذا روي عن في هذه الآية . الفضيل بن عياض
قال: لا يحب أن يكون نعله أجود من نعل غيره، ولا شراكه أجود من شراك غيره .
وقد قيل: إن هذا محمول على أنه أراد الفخر على غيره لا مجرد التجمل، قال وغيره من المفسرين في هذه الآية: العلو في الأرض: التكبر، وطلب الشرف والمنزلة عند ذي سلطانها، والفساد: العمل بالمعاصي . عكرمة
وقد ورد ما يدل على أنه لا يأثم من كره أن يفوقه أحد من الناس في الجمال، فخرج - رحمه الله - الإمام أحمد في "صحيحه " من [ ص: 67 ] حديث والحاكم - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده ابن مسعود مالك بن مرارة الرهاوي، فأدركته وهو يقول: يا رسول الله، قد قسم لي من الجمال ما ترى، فما أحب أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما، أليس ذلك هو من البغي؟ فقال: "لا، ليس ذلك بالبغي، ولكن البغي من بطر - أو قال: سفه - الحق وغمط الناس " .
وخرج من حديث أبو داود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه، وفي حديثه: " الكبر " بدل " البغي " . أبي هريرة
فنفى أن تكون كراهته لأن يفوقه في الجمال بغيا أو كبرا، وفسر الكبر والبغي ببطر الحق، وهو التكبر عليه، والامتناع من قبوله كبرا إذا خالف هواه .
ومن هنا قال بعض - السلف: التواضع: أن تقبل الحق من كل من جاء به، وإن كان صغيرا، فمن قبل الحق ممن جاء به، سواء كان صغيرا أو كبيرا وسواء كان يحبه أو لا يحبه، فهو متواضع، ومن أبى قبول الحق تعاظما عليه، فهو متكبر . وغمط الناس: هو احتقارهم وازدراؤهم، وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص .