[ ص: 111 ] سورة يوسف وقال شيخ الإسلام رحمه الله فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28983قول يوسف صلى الله عليه وسلم لما قالت له امرأة العزيز : { nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=12هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } المراد بربه في أصح القولين هنا سيده وهو زوجها الذي اشتراه من
مصر الذي قال لامرأته : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
فلما وصى به امرأته فقال لها {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12أكرمي مثواه } قال
يوسف {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=12إنه ربي أحسن مثواي } ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=6إنه لا يفلح الظالمون } والضمير في : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=2إنه } معلوم بينهما وهو سيدها .
[ ص: 112 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28983قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=1632&ayano=12لولا أن رأى برهان ربه } فهذا خبر من الله تعالى أنه رأى برهان ربه وربه هو الله كما قال لصاحبي السجن : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=2ربي } مثل قوله لصاحب الرؤيا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فأنساه الشيطان ذكر ربه } قيل أنسي
يوسف ذكر ربه لما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } .
وقيل : بل الشيطان أنسى الذي نجا منهما ذكر ربه وهذا هو الصواب فإنه مطابق لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فأنساه الشيطان ذكر ربه } والضمير يعود إلى القريب إذا لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك ; ولأن
يوسف لم ينس ذكر ربه ; بل كان ذاكرا لربه .
وقد دعاهما قبل تعبير الرؤيا إلى الإيمان بربه وقال لهما : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1647&ayano=12يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=12ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
وقال لهما قبل ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12لا يأتيكما طعام ترزقانه } أي في الرؤيا {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } يعني التأويل {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1646&ayano=12واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } فبذا يذكر ربه عز وجل فإن هذا مما علمه ربه ; لأنه ترك ملة قوم مشركين لا يؤمنون بالله وإن كانوا مقرين بالصانع ولا يؤمنون بالآخرة واتبع ملة آبائه أئمة المؤمنين - الذين جعلهم الله أئمة يدعون بأمره -
إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; فذكر ربه ثم دعاهما إلى الإيمان بربه .
ثم بعد هذا عبر الرؤيا فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1649&ayano=12يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا } الآية ثم لما قضى تأويل الرؤيا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك } فكيف يكون قد أنسى الشيطان
يوسف ذكر ربه ؟ وإنما أنسى الشيطان الناجي ذكر ربه أي الذكر المضاف إلى ربه والمنسوب إليه وهو أن يذكر عنده
يوسف . والذين قالوا ذلك القول قالوا : كان الأولى أن يتوكل على الله ولا يقول اذكرني عند ربك . فلما نسي أن يتوكل على ربه جوزي بلبثه في السجن بضع سنين .
فيقال : ليس في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } ما يناقض التوكل ; بل قد قال
يوسف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=6إن الحكم إلا لله } كما أن قول أبيه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1675&ayano=12لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } لم يناقض توكله ; بل قال :
[ ص: 114 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1675&ayano=12وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } .
و " أيضا "
فيوسف قد شهد الله له أنه من عباده المخلصين والمخلص لا يكون مخلصا مع توكله على غير الله ; فإن ذلك شرك
ويوسف لم يكن مشركا لا في عبادته ولا توكله بل قد توكل على ربه في فعل نفسه بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1641&ayano=12وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } فكيف لا يتوكل عليه في أفعال عباده .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } مثل قوله لربه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1663&ayano=12اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية لم يكن هذا مناقضا للتوكل ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنه فكيف يكون قوله للفتى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } مناقضا للتوكل وليس فيه إلا مجرد إخبار الملك به ; ليعلم حاله ليتبين الحق
ويوسف كان من أثبت الناس .
ولهذا بعد أن طلب {
nindex.php?page=tafseer&surano=1662&ayano=12وقال الملك ائتوني به } قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم }
فيوسف يذكر ربه في هذه الحال كما ذكره في تلك . ويقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة } فلم يكن في قوله له : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلما له مع علمهم ببراءته من الذنب .
nindex.php?page=treesubj&link=28983قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=1643&ayano=12ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين } ولبثه في السجن كان كرامة من الله في حقه ; ليتم بذلك صبره وتقواه فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال ; ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } ولو لم يصبر ويتق بل أطاعهم فيما طلبوا منه جزعا من السجن لم يحصل له هذا الصبر والتقوى وفاته الأفضل باتفاق الناس .
لكن تنازع العلماء
nindex.php?page=treesubj&link=10355هل يمكن الإكراه على الفاحشة على قولين : قيل لا يمكن كقول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهما قالوا : لأن الإكراه يمنع الانتشار .
والثاني : يمكن وهو قول
مالك والشافعي Multitarajem.php?tid=13371,13372وابن عقيل وغيره من
أصحاب أحمد ; لأن الإكراه لا ينافي الانتشار فإن الإكراه لا ينافي كون الفعل اختيارا بل المكره يختار دفع أعظم الشرين بالتزام
[ ص: 116 ] أدناهما . وأيضا : فالانتشار بلا فعل منه ; بل قد يقيد ويضجع فتباشره المرأة فتنتشر [ شهوته ] فتستدخل ذكره .
فعلى قول الأولين لم يكن يحل له ما طلبت منه بحال وعلى القول الثاني فقد يقال الحبس ليس بإكراه يبيح الزنا ; بخلاف ما لو غلب على ظنه أنهم يقتلونه أو يتلفون بعض أعضائه فالنزاع إنما هو في هذا وهم لم يبلغوا به إلى هذا الحد وإن قيل كان يجوز له ذلك لأجل الإكراه لكن يفوته الأفضل .
وأيضا : فالإكراه إنما يحصل أول مرة ثم يباشر وتبقى له شهوة وإرادة في الفاحشة .
ومن قال : الزنا لا يتصور فيه الإكراه يقول : فرق بين ما لا فعل له - كالمقيد - وبين من له فعل كما أن المرأة إذا أضجعت وقيدت حتى فعل بها الفاحشة لم تأثم بالاتفاق وإن أكرهت حتى زنت ففيه قولان هما روايتان عن
أحمد ; لكن الجمهور يقولون لا تأثم وقد دل على ذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2848&ayano=24ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } وهؤلاء يقولون : فعل المرأة لا يحتاج إلى انتشار فإنما هو كالإكراه على شرب الخمر ; بخلاف فعل الرجل وبسط هذا له موضع آخر .
[ ص: 117 ] و " المقصود " أن
يوسف لم يفعل ذنبا ذكره الله عنه وهو سبحانه لا يذكر عن أحد من الأنبياء ذنبا إلا ذكر استغفاره منه ولم يذكر عن
يوسف استغفارا من هذه الكلمة . كما لم يذكر عنه استغفارا من مقدمات الفاحشة ; فعلم أنه لم يفعل ذنبا في هذا ولا هذا ; بل هم هما تركه لله ; فأثيب عليه حسنة كما قد بسط هذا في موضعه .
وأما ما يكفره الابتلاء من السيئات فذلك جوزي به صاحبه بالمصائب المكفرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597664ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى إلا كفر الله به خطاياه } ولما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597665أنزل الله تعالى هذه الآية : { nindex.php?page=tafseer&surano=620&ayano=4من يعمل سوءا يجز به } قال أبو بكر : يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءا ؟ فقال : ألست تحزن ؟ ألست تنصب ؟ ألست تصيبك اللأوى ؟ فذلك مما تجزون به } .
فتبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=28983قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فأنساه الشيطان ذكر ربه } أي نسي الفتى ذكر ربه أن يذكر هذا لربه ونسي ذكر
يوسف ربه والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول
ويوسف قد ذكر ربه ونسي الفتى ذكر
يوسف ربه وأنساه الشيطان أن يذكر ربه ; هذا الذكر الخاص ; فإنه وإن كان يسقي ربه خمرا فقد لا يخطر هذا الذكر بقلبه وأنساه
[ ص: 118 ] الشيطان تذكير ربه وإذكار ربه لما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني } أمره بإذكار ربه فأنساه الشيطان إذكار ربه فإذكار ربه أن يجعله ذاكرا فأنساه الشيطان أن يجعل ربه ذاكرا
ليوسف والذكر هو مصدر وهو اسم فقد يضاف من جهة كونه اسما ; فيعم هذا كله ; أي أنساه الذكر المتعلق بربه والمضاف إليه .
ومما يبين أن الذي نسي ربه هو الفتى لا
يوسف قوله بعد ذلك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1653&ayano=45وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1653&ayano=12وادكر بعد أمة } دليل على أنه كان قد نسي فادكر .
فإن قيل : لا ريب أن
يوسف سمى السيد ربا في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذكرني عند ربك } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارجع إلى ربك } ونحو ذلك . وهذا كان جائزا في شرعه كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه وإخوته وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدا وإن كان هذا منسوخا في شرع
محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 111 ] سُورَةُ يُوسُفَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28983قَوْلُ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=12هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الْمُرَادُ بِرَبِّهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ هُنَا سَيِّدُهُ وَهُوَ زَوْجُهَا الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ
مِصْرَ الَّذِي قَالَ لِامْرَأَتِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .
فَلَمَّا وَصَّى بِهِ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=1629&ayano=12أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } قَالَ
يُوسُفُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=12إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=6إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } وَالضَّمِيرُ فِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1631&ayano=2إنَّهُ } مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ سَيِّدُهَا .
[ ص: 112 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28983قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=1632&ayano=12لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } فَهَذَا خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ وَرَبُّهُ هُوَ اللَّهُ كَمَا قَالَ لِصَاحِبَيْ السِّجْنِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=2رَبِّيَ } مِثْلَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِ الرُّؤْيَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } قِيلَ أُنْسِيَ
يُوسُفُ ذِكْرَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } .
وَقِيلَ : بَلْ الشَّيْطَانُ أَنْسَى الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ رَبِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ; وَلِأَنَّ
يُوسُفَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ رَبِّهِ ; بَلْ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ .
وَقَدْ دَعَاهُمَا قَبْلَ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ وَقَالَ لَهُمَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1647&ayano=12يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=12مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .
وَقَالَ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } أَيْ فِي الرُّؤْيَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } يَعْنِي التَّأْوِيلَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1645&ayano=12ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1646&ayano=12وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } فَبِذَا يَذْكُرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ ; لِأَنَّهُ تَرَكَ مِلَّةَ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ آبَائِهِ أَئِمَّةَ الْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ -
إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ; فَذَكَرَ رَبَّهُ ثُمَّ دَعَاهُمَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ .
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عَبَرَ الرُّؤْيَا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1649&ayano=12يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } الْآيَةُ ثُمَّ لَمَّا قَضَى تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ أَنْسَى الشَّيْطَانُ
يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؟ وَإِنَّمَا أَنْسَى الشَّيْطَانُ النَّاجِيَ ذِكْرَ رَبِّهِ أَيْ الذِّكْرَ الْمُضَافَ إلَى رَبِّهِ وَالْمَنْسُوبَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ
يُوسُفَ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ قَالُوا : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقُولَ اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك . فَلَمَّا نَسِيَ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ جُوزِيَ بِلُبْثِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ .
فَيُقَالُ : لَيْسَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مَا يُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ ; بَلْ قَدْ قَالَ
يُوسُفُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1648&ayano=6إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ } كَمَا أَنَّ قَوْلَ أَبِيهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1675&ayano=12لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } لَمْ يُنَاقِضْ تَوَكُّلَهُ ; بَلْ قَالَ :
[ ص: 114 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1675&ayano=12وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
و " أَيْضًا "
فَيُوسُفُ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُخْلِصُ لَا يَكُونُ مُخْلِصًا مَعَ تَوَكُّلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ
وَيُوسُفُ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا لَا فِي عِبَادَتِهِ وَلَا تَوَكُّلِهِ بَلْ قَدْ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1641&ayano=12وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِ عِبَادِهِ .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مِثْلُ قَوْلِهِ لِرَبِّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1663&ayano=12اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } فَلَمَّا سَأَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَا هُوَ مِنْ سُؤَالِ الْإِمَارَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ لِلْفَتَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْمَلِكِ بِهِ ; لِيَعْلَمَ حَالَهُ لِيَتَبَيَّنَ الْحَقُّ
وَيُوسُفُ كَانَ مَنْ أَثْبَتِ النَّاسِ .
وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ طُلِبَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1662&ayano=12وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }
فَيُوسُفُ يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ . وَيَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ } فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ لَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمُحَرَّمِ حَتَّى يُعَاقِبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُبْثِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى حَبْسِهِ إلَى حِينِ قَبِلَ هَذَا ظُلْمًا لَهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28983قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=1643&ayano=12ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } وَلُبْثُهُ فِي السَّجْنِ كَانَ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ; لِيَتِمَّ بِذَلِكَ صَبْرُهُ وَتَقْوَاهُ فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى نَالَ مَا نَالَ ; وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وَلَوْ لَمْ يَصْبِرْ وَيَتَّقِ بَلْ أَطَاعَهُمْ فِيمَا طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا مِنْ السَّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ .
لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ
nindex.php?page=treesubj&link=10355هَلْ يُمْكِنُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : قِيلَ لَا يُمْكِنُ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ الِانْتِشَارَ .
وَالثَّانِي : يُمْكِنُ وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ Multitarajem.php?tid=13371,13372وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ
أَصْحَابِ أَحْمَد ; لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الِانْتِشَارَ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْفِعْلِ اخْتِيَارًا بَلْ الْمُكْرَهُ يَخْتَارُ دَفْعَ أَعْظَمِ الشَّرَّيْنِ بِالْتِزَامِ
[ ص: 116 ] أَدْنَاهُمَا . وَأَيْضًا : فَالِانْتِشَارُ بِلَا فِعْلٍ مِنْهُ ; بَلْ قَدْ يُقَيَّدُ وَيُضْجَعُ فَتُبَاشِرُهُ الْمَرْأَةُ فَتَنْتَشِرُ [ شَهْوَتُهُ ] فتستدخل ذَكَرَهُ .
فَعَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ مَا طَلَبَتْ مِنْهُ بِحَالِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَدْ يُقَالُ الْحَبْسُ لَيْسَ بِإِكْرَاهِ يُبِيحُ الزِّنَا ; بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ أَوْ يُتْلِفُونَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا وَهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا بِهِ إلَى هَذَا الْحَدِّ وَإِنْ قِيلَ كَانَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ لَكِنْ يَفُوتُهُ الْأَفْضَلُ .
وَأَيْضًا : فَالْإِكْرَاهُ إنَّمَا يَحْصُلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يُبَاشِرُ وَتَبْقَى لَهُ شَهْوَةٌ وَإِرَادَةٌ فِي الْفَاحِشَةِ .
وَمَنْ قَالَ : الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ يَقُولُ : فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا فِعْلَ لَهُ - كَالْمُقَيَّدِ - وَبَيْنَ مَنْ لَهُ فِعْلٌ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُضْجِعَتْ وَقُيِّدَتْ حَتَّى فُعِلَ بِهَا الْفَاحِشَةُ لَمْ تَأْثَمْ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أُكْرِهَتْ حَتَّى زَنَتْ فَفِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَد ; لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ لَا تَأْثَمُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2848&ayano=24وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : فِعْلُ الْمَرْأَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى انْتِشَارٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ ; بِخِلَافِ فِعْلِ الرَّجُلِ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .
[ ص: 117 ] و " الْمَقْصُودُ " أَنَّ
يُوسُفَ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ
يُوسُفَ اسْتِغْفَارًا مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ . كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا فِي هَذَا وَلَا هَذَا ; بَلْ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ ; فَأُثِيبَ عَلَيْهِ حَسَنَةً كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ .
وَأَمَّا مَا يُكَفِّرُهُ الِابْتِلَاءُ مِنْ السَّيِّئَاتِ فَذَلِكَ جُوزِيَ بِهِ صَاحِبُهُ بِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597664مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ } وَلَمَّا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597665أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ : { nindex.php?page=tafseer&surano=620&ayano=4مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا ؟ فَقَالَ : أَلَسْت تَحْزَنُ ؟ أَلَسْت تَنْصَبُ ؟ أَلَسْت تُصِيبُك اللأوى ؟ فَذَلِكَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ } .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28983قَوْلَهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } أَيْ نُسِّيَ الْفَتَى ذِكْرَ رَبِّهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا لِرَبِّهِ وَنُسِّيَ ذِكْرَ
يُوسُفَ رَبَّهُ وَالْمَصْدَرُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ
وَيُوسُفُ قَدْ ذَكَرَ رَبَّهُ وَنُسِّيَ الْفَتَى ذِكْرَ
يُوسُفَ رَبَّهُ وَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ ; هَذَا الذِّكْرَ الْخَاصَّ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا فَقَدْ لَا يَخْطُرُ هَذَا الذِّكْرُ بِقَلْبِهِ وَأَنْسَاهُ
[ ص: 118 ] الشَّيْطَانُ تَذْكِيرَ رَبِّهِ وَإِذْكَارَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي } أَمَرَهُ بِإِذْكَارِ رَبِّهِ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ إذْكَارَ رَبِّهِ فَإِذْكَارُ رَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ ذَاكِرًا فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَ رَبَّهُ ذَاكِرًا
لِيُوسُفَ وَالذِّكْرُ هُوَ مَصْدَرٌ وَهُوَ اسْمٌ فَقَدْ يُضَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمًا ; فَيَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ ; أَيْ أَنْسَاهُ الذِّكْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَبِّهِ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا
يُوسُفُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1653&ayano=45وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1653&ayano=12وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَسِيَ فَادَّكَرَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا رَيْبَ أَنَّ
يُوسُفَ سَمَّى السَّيِّدَ رَبًّا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1650&ayano=12اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1658&ayano=12ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ } وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَهَذَا كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ كَمَا جَازَ فِي شَرْعِهِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ وَكَمَا جَازَ فِي شَرْعِهِ أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ عَبْدًا وَإِنْ كَانَ هَذَا مَنْسُوخًا فِي شَرْعِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .